في خطيئة شمشون قد نجد جذورا أخرى، أو تجربة أخرى مهمة لحياتنا الروحية: شمشون اعتاد أن ينتصر، اعتاد أن الرب معه. شمشون استقر على وضعه، وضمن حياته ونعمة الله. فهو قاض حكيم وقوي، ولكنه نسي أن كل هذا قد ينتهي في لحظة. إن حياتنا الروحية هي دائما في عدم ضمان، وكل يوم فيها مثل أول يوم، نحتاج أن نصارع وأن نكون في المكان المناسب.
شمشون نسى أن انتصاره ونجاحه ليسا مرتبطين به كشخص، لكن بسر مع الله؟. في علاقة حميمة إن نقصت نقص كل شي. فهل تكبّر شمشون؟ هل اعتقد أنه قادر ان ينقذ نفسه، حتى من قلب مدينة الأعداء، فيأخذ ما يرغب ويهرب؟ ممكن.
لكن الأكيد أن شمشون، لم يعطِ أهمية لنتيجة الخطيئة. نعم. هذا أمر مهم. شمشون لم يدرك أن الخطيئة لها سلطان، وكل من يخطئ هو عبد (يوحنا 8: 34). فأجرة الخطيئة هي العبودية، وان استمر الشخص أن يكون قويا جسديا، ظاهريا، لكنه عبد. نعم، الخطيئة تُفقد القدرة الداخلية، وإن بقيت لوقت الصورة الخارجية، لكنها صورة لفراغ داخلي.
شمشون يقول: هذا مبالغ فيه، لن يحدث شيء، إنها متعة للحظة وستنتهي، وسأرجع أحكم إسرائيل من جديد. من سيدري؟ من سيعرف؟ لا شيء سيتغير؟ … نفس كلام إبليس لحواء، لا لن تموتي (تكوين 3 : 1 – 10)، بل بالعكس تصبحين مثل الله.… إنك ستختبر شيئا جديدا. سترجع أفضل إلى زوجتك … لا أعلم ما يقول لنا إبليس.
شمشون اعتاد النعمة، وفقد الإحساس بأنه دائما في خطر أن يفقدها. نسى أنه كل يوم يجب أن يستيقظ يبحث عنها ويحفظها. أصبح مثل السكّير الذي فقد الإحساس بالخطر، فيمر وسط الشارع ولا يهتم بما يحدث. ظن أنه أصبح مُحَصَّنا، أنه ربط الله فيه؟؟ ما المعنى للأبد. وأنه إذا زني، فسيرجع إلى الله. اعتقد أنه قادر أن يتوب في أي وقت. الآن أفعلُ هذا، ولن أتمادي، غدا سأتوقّف.
شمشون يخاطر مثلما خاطر عيسو في لحظة عابرة، وفقد بكوريته. عِيسو، الابن البكر لإسحق،.وكأي ابن بكر يحق له أن يرث البركة. وهي ليست فقط نصيباً أكبر من الخيرات المادية، بل هى رسالة ومعنى للوجود. عاد عيسو ذات يوم من الحقل مرهقاً وجائعاً: بحاجة للراحة ولتناول الطعام. أخوه يعرض عليه الطعام، بشرط أن يبيعه البكوريِّة. إنه جائع، ولكي يأكل، كيويُشبع هذاالإحتياجالاحتياج اللحظي، يقبل أن يبيعه إياها، قائلاً: ” أنا صائِرُ الى الموت، فما لي والبكورية؟” (تكوين 25: 31).
عيسو يعتقد أنه صائر الى الموت. وطالما الموت هو النهاية، فلماذا يجب أن أتألم الآن من الجوع؟،وبماذا سيفدينني الاحتفاظ بالبكوريّة؟ انا جائع الآن، وما ينتظرني غداً هو الموت، الحل الوحيد اذاً هو أن أشبع الآن.
وهنا نسأل: لماذا يجد الإنسان نفسه مُجبراً على اتّباع احتياجاته اللحظية؟ لماذا يخطئ؟ لماذا يترك كاهنٌ أو مكرسٌ دعوته من أجل علاقة ما؟ لماذا يترك رب العائلة أسرته من أجل خبرة أخرى او امرأة أخرى؟ لماذا يهرب الإنسان الى الخمور أو المخدرات؟ لماذا يُشبع نفسه في لحظات الوحدة بأي من العواطف العابرة أو الأحاسيس الاصطناعية. هل لأنه شرير؟ لأنه قليل التربية؟ لا!
قصة عِيسو تقول لنا: لا. بل لأن الشيطان استطاع أن يزيل من عمق فكره وجود الحياة؛ الحياة الأبدية. وعندما تأتي التجربة لا يستطيع الإنسان إلا أن يسقط فيها، إذا لم ير أمامه إلا الاحتياج الحاضر والموت كمستقبل. قد لا يفكّر الإنسان بهذه الطريقة، إلا أن هذا الاعتقاد يحرّكه. الخوف من الموت يجعله عبدا للّحظة واحتياجاتها، فلا يرى دعوته، كرامته، وبكوريته. هل هذا ما شعر به شمشون كي يذهب ويزني؟
يقول بولس الرسول إن المسيح أتى كي “يُحرّر الذين ظلوا طوال حياتهم في العبودية مخافةً من الموت” ( عبرانيين 2: 14). بسبب الخوف من الموت أصبح الإنسان عبدا.،ومن مظاهر هذه العبودية: إشباع الاحتياج الآني.
ولكن يبقى السؤال: كيف نسترجع مَن هم في العبودية؟ كيف نمكّنهم أن يستعيدوا نعمة الله، تلك البكورية؟ … نعلن لهم المسيح من جديد! المسيح القائم، المنتصر على الموت، والذي يَعرضُ عليهم مسيرة للتوبة والرجوع إلى الرب، فيها يختبرون هذه القيامة وهذا الانتصار على الموت، أي يختبروا الحياة الأبدية منذ الآن.
هذا الإعلان مرتبط ارتباطا وثيقا بتنشئة جديدة على الأسرار، كي يحيوا ما يؤمنون به. ولكي تصبح كلمة الله محقّقة وملموسة في حياتهم، من المهم ان تُختبَر في حياة الشركة. باختصار، نقدم لهم كنيسة حيّة (كلمة الله – الأسرار- الشركة).
وبالعودة الى شمشون، ماذا سيفعل بعد أن يفيق من احتياج اللحظة العابرة؟ هل سيندم؟ أم لم يأت الوقت بعد؟
لا. لم يحِن الوقت … يعلم أهل البلدة بوجود شمشون عند تلك المرأة، فيحاصروا منزلها وينتظروا شمشون كي يقتلوه في الصباح. لكن شمشون يستيقظ وسط الليل ويهرب. ينتهي الموقف. لكن نتيجته لم تنته. شمشون هرب من أيدي الأعداء، لكن كبّل نفسه في قدم العدو. رأي من أين يمكنه الهروب وفتح أبواب المدينة وهرب. لكنه عَمِىَ عن نفسه وعن دعوته، سقط في ضعفه من جديد.
فماذا سيحدث؟