استطاع شمشون أن يفلت من أيدي الأعداء، وهرب من تلك المرأة دون أن يُضار بشيء. هكذا اعتقد، بل معتقدا أيضا أنه هرب منتصرا وأذلّهم، حيث أخذ معه دعامات باب المدينة (قضاة 16: 3)، .علامة على الاستهزاء بهم، وإثباتا لقدرته الفائقة. نعم خرج بشكل منتصر، .مرتاح، لا يشعر بأي ضرر. وتأكدت له نظريته: أخطأت ولم يحدث شيء. عندي حق إذا، هذا الأمر ليس ضارا.
لكن شمشون غير مدرك بما حدث في داخله، وإنما سيراه في حينه. الرب يمنح الوقت كي ندرك ما فعلناه، بطريقة لا تحطّمنا، ولا تمنعنا من الرجوع إليه. سيأتي الوقت ليرى شمشون نتيجة خطيئته، سيجيء الوقت ويرى شمشون، والذي يعني اسمه الشمس الصغيرة، يرى غروب شمسه.
وبعد فترة يرى شمشون دليلة، والذي يعني اسمها بالعبرية “غروب أو سقوط”، فيحبها. ويذهب ويحيا معها. فمن هي دليلة؟ في الواقع لا نعرف عنها شيئا. فقط أنها من وادي سوريق، وكانت معروفة لدى كل أمم الأعداء ؟؟ ، هل كانت امرأة زانية ومعروفة من الجميع؟
يعلم العدو بحب شمشون لها، فيصعدوا إليها من كل أنحاء البلاد ويقولوا لها: اعرفي سره وسنمنحك كثيرا من المال. وهي لا تتردد. تبدأ في الاحتيال على شمشون كي تعرف سره. شمشون اشتراها بمال، وعندما وجدت هي مالا أكثر باعته. فما يُشتَرى بمال بالمال يُباع.
وبالفعل بدأت تسأله عن سر قوته. وكل مرة يجاوب شمشون بكذبة. فيقول لها: “إذا ربطوني بسبعة حبال طرية لم تجِف بعد، أفقد قوتي” (16: 7). فتذهب وتخبر الأعداء. وبالفعل يقوموا بربطه، ولكن شمشون يقطع الحبال وينتصر. وماذا يحدث بعد؟ هل يفهم شمشون إنها لا تحبه، إنها تبيعه، إنها تهتم بماله وبمال غيره وليس به، إنها خائنة؟ … لا. لا يفهم. يستمر في أن يحيا معها.
وتأتي من جديد،وتبدأتشتكيه وتقول له: “أنت خدعتني، لم تقل لي الحقيقة عن سر قوّتك” (16: 10). فيبدأ بكذبة جديدة، فتذهب وتخبر الأعداء. ويفشل الأعداء. فتأتي له من جديد. ثلاث مرات وشمشون كل مرة يخترع سببا لسر قوّته، وهي تبيحه للأعداء ويحاولوا قتله، وهو مستمر معها.</p>
فتفهم دليلة أنه يجب أن تطرق الوتر الصحيح، فتقول له: “أنت لا تحبّني، وقلبك ليس معي، أنت تخدعني” (16: 15). كبيرة هي هذه الكلمة على قلب شمشون الضعيف. فالشخص الذي يحب، يرغب في شيء واحد: أن يشعر حبيبه بهذا الحب، أن يُسعِده. فهو مستعد أن يعطيه كل شيء كي يريحه ويجعله هنيئا. ولكن دليلة تأتي وتقول له: أنت لا تحبّني.
إذاً، هناك خطر من أن المرأة تتركني، يفكر شمشون. هناك الخطر أن أكون وحيدا كما قبل. فيقول لها شمشون أنا أحبّك، لكن هذا الأمر لا أستطيع أن أبوح به. هذا كياني، هذا سري مع الله، إن بُحتُ به ضِعت. لا، تجيب دليلة لتقنعه، الواقع مختلف: إن فقدتني أنتَ ضِعتَ، وليس إن بُحتَ بسرّك. هي أهم من سرّه مع الله. نعم، دليلة تربط شمشون بالعواطف، تُغمِي له عينيه وتجعله يلف ورائها، وشمشون يلف. مال قلبه فمال كيانه.
نعم دليلة هي رمز لصوت المجرّب، يأتي إلينا كحمل بريء. إبليس لا يُظهر لنا الشر على أنه شر، بل بالعكس على أنه خير. ويُقنع الإنسان أنه مقصّر في عمله. يقنعه أنه يخطأ بهذه الطريقة، يجب أن يستمع له كي يكون أفضل. يُقنع الإنسان أنه يريد سعادته وراحته. فلا يَظهر إبليس بصورته المخيفة، أو بقرونه، كصورته في الأفلام القديمة. لكن يأتي من خلال صوت آخرين، في كلمات رقيقة، معزّية.
هكذا حاول أن يعمل مع المسيح على الصليب، من خلال أصوات كثيرة تقول له: ” إن كنت ابن الله، إنزل من على الصليب…خلّص نفسك وخلّصنا” (لوقا 23 : 35 وما يليه). أليس أنت ابن الله؟ وأنت تريد أن يعرفك الناس ويؤمنوا بك؟ إذا نزلتَ من على الصليب، تفاديتَ الألم والموت وأقنعت الجميع فيؤمنوا بك. إنزل من على الصليب. وهنا المسيح لا يرد. لا يتحاور مع المجرّب هذه المرة. فينتصر المسيح عليه إلى الأبد … لكن شمشون تجاوب مع دليلة، واعتقد أنه أذكي منها، وكذب عليها مرة واثنتين وثلاث، ولكنها انتصرت في النهاية.
نعم شمشون يخبرها بسرّه، فينقضّ عليه الأعداء بعد أن حلقت دليلة شعر رأسه، فتملّك الفلسطينيون منه وربطوه. شمشون انهزم. وماذا فعلوا به بعد ذلك؟ قلعوا عينيه، جعلوه أعمي، وجعلوه يدير الرَحَى (الطاحونة) في السجن.
فما معنى هذا؟