أمثالُ يسوعَ غنيّة بالمعاني العميقة . التي هي ، بغضّ النظر عن تاريخيّتها وعدم تاريخيّتها ، علاماتٌ لكشف الرحمة والمحبة الإلهيّتين للبشريّة ، وحلول ملكوت الله وسيادته من خلال يسوع الابن . إنّ يسوع الناصريّ هو رحمة الله وحكمته ، الذي بدأ بوضع سرّ الله المحجوب من خلال الأمثال الرائعة العميقة التي حكاها ورواها لنا .
من هذه الأمثال المدهشة التي رواها لنا يسوع ، وتكشفُ عن حقيقة الهيّة مبيّنة سرّ الخلاص والتدبير : السامريّ الصالح . مثلُ السامريّ الصالح الذي يرويه لنا الإنجيليّ بفم يسوع ، بعد أن قال له أحدُ المحامين لإحراجه : ماذا أعمل لأرث الحياة الأبديّة ؟ وبدأ يسوع يتكلّم عن الوصايا في الشريعة وماذا قالت : أن تحبّ الربّ إلهك من كل قلبك ، ونفسك ، وقوّتك ، وبكلّ فكرك ، وأن تحبّ قريبك كنفسكَ … ” ، وسأله المحامي : ومن هو قريبي؟! لوقا 10 : 25 – 37 .
لقد أراد أحدُ المحامين إيقاع يسوع في حبائله ، لكنّه بفعله هذا أظهرَ أنه يجهلُ سرّ التجسّد . فالواقف أمامه لم يكن مجرّد ” انسان ” محض . بل ” ابن الله المولود بقوّة الروح القدس المتّحد بالكلمة الأزليّة منذ الحبل به من رحم العذراء “. لا يفهم المحامونَ سرّ التجسّد . معرفة الشريعة هي معرفة تجسّد المسيح يقول القديس أمبروسيوس . تكشفُ هذه الآيات مساوئ الذين يحسبون أنفسهم علماء للشريعة ، أنهم على حرفها يُحافظونَ ، وروحها يتجاهلون . يُفهمهم يسوع أنّهم يجهلونَ فصلها الأوّل ، مستندًا إلى فاتحة الشريعة . أعلن الآب والابن سرّ التجسّد المقدّس بقولهما : أحبب الربّ إلهك ” ، و” أحبب قريبكَ حبّك لنفسكَ ” . نحنُ ، غالبًا ما ، لا نعرف مَن هو قريبُنا ، لإننا لا نعرف أن نؤمن . ولا تسكنُ المودّة والرحمة قلوبنا بسبب الغشاوة التي في قلوبنا ، جرّاء الأنانيّة والتكبّر . عيوننا مليئةٌ بالشموع المتعفّنة ، وفكرنا متصدّئ بالأمور المستهلكة التي أثقلت قلوبنا ومشاعرنا عن الإهتمام بالآخر لمعرفته . فإنّ كنّا لا نكترثُ لقريبنا الذي أمامنا ، فكيف نرى الله الآب الذي هو في الخفاء !؟ يسوع ، يرينـــا أنّ الآب السماويّ رحومٌ وحنونٌ ومُحبّ إلى حدّ الجنون ؛ من خلال مثل السامريّ الصالح . أريحا هي صورة العالم ، فآدم في الفردوس أقصيَ منها ، وهوى بعصيانه ، فابتعدَ عن الحياة (أورشليم السماويّة) ، وسقط في الجحيم . تبدّلت حياته كثيرًا وأضحت في ضياع ٍ وفوضى . لمــّا أقترفَ العصيان والتكبّر ، وقع في أيدي اللصوص . وَمن هم هؤلاء اللصوص إلاّ ملائكة الليل والظلام ، يُغيّرون أنفسهم إلى ملائكة النور ، لكنّهم يعجزون عن الإستمرار . إنّهم يختلسون ملابس النعمة الروحيّة التي تسلّمناها ويجرحوننا . فمّن هو هذا السامريّ الصالح ، يقول الآباء القديسونَ ، إلاّ يسوع المسيح . ابن الإنسان الذي هو في السماء . ولمـــّا رأى هذا السامريّ (ابن الإنسان) ، الجريح بين حيّ وميّت ؛ وما من أحد يعتني به ، أخذته الشفقة (في مثل الإبن الضالّ يتكلّم يسوع عن الآب ويصفه بــ” الأحشاء التي تحرّكت لإن ابنه رَجِعَ إليه) ، تحرّك الأحشاء دلالة على فعل رحمة كبير ، فدنا منه وعالجه .
سرّ التجسّد ، هو سرّ ” النزول الإلهيّ ” لمعالجة الجراحات الكثيرة التي سبّبتها الخطيئة بالإنسان . فآلت إلى فقدان العلاقة والإتصال مع الآب السماويّ. إنه لم يهتمّ بالجنس ولا باللون ولا بالعِرق ولا بالمذهب ولا بالطائفة ولا بأيّ شيء آخر . لقد الله أمامه فقط : أنّ هذا هو إنسانٌ (جنسٌ بشريّ ) سقط ! إنه مجروحٌ ويحتاجٌ لشفاء . وهذا الشفاء حصلَ بتجسّده ونزوله وإخلاء ذاته .