يا له من منظر بشع، يا له من وضع مُزرٍ وصل إليه شمشون، نذير الرب ومختاره، قاضي إسرائيل. تملّكه العدو، وجعلَه مثل حمار مقلوع العينين يدير طاحونة.
شمشون! ماذا فعلوا بك الأعداء؟ إلى أي مدى أهانوك؟ هذا ما فعلَته الخطيئة بك، وليس الأعداء. الأعداء فقط أظهروا وضعا كنت عليه من قبل، لم يفعلوا شيئا جديدا. فقط أظهروا خارجيا ما كنت عليه داخليا.
شمشون، من قَبل وبسبب شهوته، لم يكن يرى دعوته ورسالته. لم يعد يرى الخطر الذي كان يواجهه. لم ير خداع دليلة، لم ير شيئا. لم ير رحمة الله المستمرة، وصوته الدائم. شمشون كان أعمي قبل أن يعميه الأعداء. فقد صوابه. ولم يستطع أن يرجع الى الوراء، ترك حجر قلبه يميل ولم يتمكن من أن يوقفه، ولم يرغب أن يوقفه. شمشون كان أعمى بقوّته، وباقتناعه الأكيد أنه غير قابل للانهزام، وأن الرب لن يتركه. هذا حقيقي: الرب لن يتركك، لكن ماذا لو تركت أنت الرب! شمشون كان أعمي بين كبرياء وشهوة.
وماذا كان يفعل؟ كان يبحث عن إرضاء مشيئته وعواطفه. وكل يوم يسعى الى تحقيقهما. يخاطر أكثر، يتعب أكثر، كي يحقق ما يرغب. كان أعمي ومجبرا أن يروي ظمأه اليومي، باستمرار وبنفس الطريقة، مثل حمار مقلوع العينين، يدير الطاحونة، مجبرا أن يلف، ولا يستطيع أن يتوقف. وإن توقف الحمار، يلدغه السيد بالعصي كي يستمر، والحمار مقتنع أنه يسير الى الأمام.
لا يا أعمي، أنت تسير على نفس الدائرة، لم تبتعد خطوة، لم تحقق شيئا. لن تشبع نفسك أبدا، تلف وتلف، وها أنت في مكانك. تتمّم رغباتك، تزيد كبرياءك، لكن لا تشبع، جائع كما من قبل، وإن لم يكن أكثر. وإذا توقّف شمشون، صوت المرأة يقول: “أنت لا تحبّني، استمر” ، وعصا السيد تلدغه من جديد.
نعم يا شمشون، كان عليك أن تتوقف وتصرخ وتقول: نعم، أنا لا أحبكِ. أحب فقط رغبتي فيكِ. انا خائف من الوحدة، لا أستطيع أن أصمد، وأنتِ مجرّد مهرب، أنا بالفعل لا أحبكَ. لكن شمشون لم يتوقف ، استمر يدير الطاحونة.
شمشون كان أعمي، وكان يدير الطاحونة.… وهذا هو حال الإنسان،الذي فقد بصره، فلم يعد يرى حب الله، لم يعد يرى دعوته ورسالته. أفكاره تعميه عن الواقع، عواطفه تكبّله وتقوده فقط أن يحقق رغباته، فقط أن يحقق مشيئته. الإنسان، بسبب الخطيئة، أصبح عبدا لإرضاء ذاته، أن يحافظ على نفسه وكيانه. أن يخدم نفسه في كل شيء ومن كل شيء. أصبحت رغباته هي المحور، وهو مثل الأعمى، مثلهذاالحمار، يلف ويلف حولها.
هذا هو جهنم بعينه. أن يحيا الإنسان لذاته ولتحقيق رغباته، ويا له من ألم وعذاب، لا يقتنع به الا من اختبره، وقام منه. من أجل ذلك مات المسيح، كي لا يحيا الإنسان من بعد لذاته، بل للذي مات وقام من أجله، أي كي يحيا من أجل المسيح. فهذه هي الحياة (2 كورنثوس 5: 15) … وما أبعدك يا شمشون الآن عنها. بل أصبحت أيضا مصدرا لتسلية الأعداء، فكانوا كل ليلة يأتون بك، كي ترقص لهم وتتمايل وتتخبّط بين الأعمدة، فيضحكوا عليك ويتسلّوا. فمن سيرجع لك عقلك، من سيرجع لك بصيرتك وكرامتك؟
الحقيقة! فقط الحقيقة، أي تشخيص حالة شمشون الداخلية أمامه كواقع، هو وحده القادر أن يقنعه بما وصل إليه. أن يرى ما بداخله متجسدا أمامه: أنه أصبح عبدا للخطيئة: أعمي، يسعى فقط إلى تحقيق رغبته، كحمار يدير طاحونة حياته.
بينما بطرس، بعدما أنكر المسيح ثلاث مرات: رأى خيانته أمام عينيه، رأى ضعفه الذي كان يعرفه المسيح، بينما هو كان أعمى عنه. الآن رآه متجسدا. والآن يبكي ويندم. متكبرا كان، والآن رأى الحقيقة وتواضع: اقتنع وقَبِل أنه شخص خاطئ . هذا هو التواضع. ترك نفسه يتقابل مع المسيح، وقبل غفرانه، وبدأ من جديد. سمع صياح الديك، الذي يعلن بدء يوم جديد، فلم يتوقف عند مساء الخطيئة.مرعبر إلى النهار، إلى المغفرة، إلى نهار شمس لا تغيب، شمس الرحمة: المسيح. (متى 26: 19 +).
أمّا يهوذا فرأى هو أيضا خطيئته، ولكن لا يقبل هذا. لا يقبل أنه خان شخصا بريئا، لا يعبر إلى النهار. لا يقبل المغفرة. يصطدم مع نفسه. متكبرا كان ويبقى: فيشنق نفسه (متى 27: 2 +).
لكن أنت يا شمشون، ماذا ستفعل؟ هل ستكون بطرس أم يهوذا؟