“فقالَ شِمْشونُ لِلصَبِيِّ الآخِذِ بِيَده: ((دَعْني أَلمُسُ الأَعمِدَةَ القائِمَ علَيها البَيتُ حَتَّى أتَّكِئَ علَيها))” (قضاة 16: 26). نعم، وسط هذه المهزلة، هذا العار الذي كان يلحق بشمشون، كان هناك طفل يقوده. فطلب منه شمشون أن يقوده الى الأعمدة التي تحمل البيت. لماذا؟،بماذا تفكر، يا شمشون؟ سنعرف.
لكن من هو هذا الصبي؟ هل هو نفس الصبي الذي يتنبأ عنه اشعياء النبي قائلا: “سيَسكُنُ الذِّئبُ مع الحَمَل، وَيربِضُ النَّمِرُ مع الجَدْيِ، ويَعلِفُ العِجلُ والشِّبلُ معاً، وصَبِيٌّ صَغيرٌ يقودهما” (11: 6)؟
سيقول السيّد المسيح: إن لم تعودوا مثل الأطفال، لن تدخلوا ملكوت السموات (متى 18:3) … التلاميذ الحقيقيون هم “أصغر الصغار”، الذين شاء الآب أن يكشف لهم أسراره المخفيّة عن الحكماء (متى 11: 25- 26). وفي لغة الإنجيل يبدو أن كلمة ” صغير” وكلمة ” تلميذ” مترادفتان (راجع متى 10: 42 ومرقس 9: 41). فالطفل هو إذاً رمز للرسل، للتلاميذ، رمز للكنيسة التي تقودنا في حياتنا، كما يوضّح (معجم اللاهوت الكتابي، كلمة “طفل”).
هناك تفسيرات كثيرة وجميلة لمعنى كلمة “طفل” هنا. اخترت منها تلك التي تؤكّد أن الطفل هو الشخص غير القادر أن يقود حياته بذاته، ولا مفرّ له أن يترك نفسه لآخر يقوده. إنه يرمز للإنسان الذي اكتشف عدم قدرته أن ينال الملكوت باستحقاقاته وقدراته، فيختار أن يعود طفلا بإرادته، فيثق في الآخر كي يَعبر معه إلى الملكوت. ومن يكون هذا الآخر الا شخص الحبيب! هذا هو الطفل، رمزٌ للتواضع بالمعنى الوجودي، أي أنه الشخص الذي يحتاج لآخر كي يحيا.
شمشون، بعد أن رأي خطيئته وعواقبها أصبح طفلا، ويقبل أن يُقاد بيدي طفل، كي يرجِع إلى مكانته، ودعوته. هذا الطفل قادر أنلايجعله لا يرجع من بعدُ إلى الطاحونة، قادر أن يعبر به إلى الملكوت. هذا الطفل هو عيناه. سيُرجِع له كرامته ورسالته.
ما هذا يا شمشون؟ ما هذا التواضع المقدس؟ من أنت؟ أنت حققتَ كلام المسيح قبل أن يقوله: قبلتَ الطفل فقبلت المسيح (لوقا 9 : 48). عرفت في هذا الطفل الذي يقودك شخص المسيح، الطفل، عمانؤئيل. وقبل ذلك قبلت الإذلال الذي فعله بك الأعداء، فهمت أنه بسبب خطيئتك، والآن ترى في هذا الطفل…المخرج.
أنت فعلا غريب. ما هذا النور؟ أنت لست بأعمى. أنت مثل أعمي أريحا، الذي يسمع عن مرور المسيح، فيصرخ ويقول له: يا يسوع المسيح ابن داود، إرحمني! (مرقس 10: 48). أنت الآن تعْلم أنك أعمي، وهذا هو البصر.
وماذا تطلب من الطفل؟
عجيب هذا الأمر، شمشون ليس فقط يتواضع، لكنه أيضا فهم رسالته، فيطلب من الطفل أن يقوده إلى مكان محدّد. لم يطلب منه العينين، لم يطلب منه أن يهرّبه. طلب شيئا واحدا: أن يقوده الى حيث الأعمدة، الى المكان الذي سيموت فيه. إلى الصليب!؟وهذا الطفل يقوده. أهذا ما يحدث؟ أنا لا أعلم. لكني أعلم أن شمشون طلب من الطفل أن يذهب به إلى الأعمدة، وكان يعرف ماذا سيفعل هناك.
شمشون يطلب من الطفل أن يقوده الى حيث لم يستطع أبدا أن يكون. خطيئة شمشون كانت في هروبه الدائم من المكان الصحيح، وتواجده في المكان الخاطئ. الآن فهم أنه بمفرده و بقوّته لا يستطيع أن يكون في المكان الصحيح، فقط الطفل قادر أن يقوده الى هناك. فقط الكنيسة هي القادرة أن تقودنا الى مكان رسالتنا، ومكان تحقيق ذواتنا. كيف لك أن تفهم كل هذا يا شمشون؟ ما أروعك…
شمشون يطلب من الطفل: قُدني الى مكان الأعمدة. يذكّرني بطلب في طقس العماد للبالغين، عندما يقول الكاهن للشخص الذي يطلب العماد أو من اشبينه: ماذا تطلب من الكنيسة المقدسة؟ فيرد هو أو اشبينه: أريد الإيمان.
وماذا يمنحك الإيمان؟ … الحياة الأبدية … فبالعماد نطلب الحياة الأبدية.
وشمشون الذي كان يخاف الوحدة، ويهرب منها بين البغايا،ألانالآن فهم ما ينقصه: حياة، وحياة أبدية.،وكيف لي ان أنالها؟ هناك بين الأعمدة. غريب يا شمشون! انت نذير الرب، فعلا أنت مختارُه. ما هذا الفهم؟ من أوحى لك به؟
وفي طريقه، منقادا من طفل الى الأعمدة، كان يصلي: “أَيُّها السَّيِّدُ الرَّبّ، اُذكُرْني وشَدِّدْني هذه المَرَّةَ أَيضًا، يا الله” (16: 28). شمشون يصلي؟ أول مرة نسمع أن شمشون يصلي. ولما لا؟ الآن فهم أنه في احتياج الى الصلاة. بعد أن نزل الى الواقع وعرف نفسه، وفهم من الذي يدعوه، الآن من الممكن أن يصلي.
فماذا يطلب شمشون من الرب في صلاته؟