تابع البابا فرنسيس يقول القديس بولس، في حديثه عن جسد المسيح: “فلا تَستَطيعُ العَينُ أَن تَقولَ لِليَد: “لا حاجَةَ بي إِلَيكِ” ولا الرَّأسُ لِلرِّجْلَينِ: “لا حاجَةَ بي إِلَيكُما”. لا بل إِنَّ الأَعضاءَ الَّتي تُحسَبُ أَضعَفَ الأَعضاء في الجَسَد هي ما كانَ أَشدَّها ضَرورة، والتَّي نَحسَبُها أَخَسَّها في الجَسَد هي ما نَخُصُّه بِمَزيدٍ مِنَ التَّكريم. والَّتي هي غَيرُ شَريفَةٍ نَخُصُّها بِمَزيدٍ مِنَ التَّشْريف. أَمَّا الشَّريفة فلا حاجَةَ بِها إِلى ذلك. ولكِنَّ اللّهَ نَظَّمَ الجَسَدَ تَنظيمًا فجعَلَ مزيدًا مِنَ الكرامةِ لذلك الَّذي نَقَصَت فيه الكَرامة، لِئَلاَّ يَقَعَ في الجَسَدِ شِقاق، بل لِتَهتَمَّ الأَعْضاءُ بَعضُها بِبَعْضٍ اَهتمامًا واحِدًا” (1 كور 12، 21- 25).
وأضاف الأب الأقدس يقول أيها المعاونون الأعزاء أفكر بكلمات القديس بولس هذه وبكم أنتم الذين تشكلون جزءًا من الكوريا الرومانية وتجعلونها جسدًا حيًّا يُعتنى به جيّدًا، وعند هذه العناية أرغب أن أتوقف في لقائنا هذا. العناية تعني إظهار اهتمام يُلزم كياننا وعملنا تجاه شخص ما أو شيء ما، تعني أيضًا أن نبحث باهتمام عمن يحتاج للعناية دون التفكير بشيء آخر وأن نقبل بأن نعطي الاهتمام ونناله من آخر. تعود إلى فكري صورة الأم التي تعتني بابنها المريض بتكرّس تام معتبرة ألم ابنها كأنه ألمها. فهي لا تنظر أبدًا إلى الساعة ولا تتذمر بأنها لم تنم الليل بأسره، كل ما ترغب به هو أن ترى ابنها سليمًا معافى مهما كان الثمن.
تابع الحبر الأعظم يقول لقد لاحظت خلال هذا الوقت الذي أمضيته معكم مدى اهتمامكم بعملكم ولذلك أشكركم جدًا وأسألكم أن تسمحوا لي بأن أحثكم على أن تجعلوا من هذا الميلاد المجيد مناسبة حقيقية لتعتنوا بكل جرح ونقص؛ لذلك أدعوكم للاهتمام بحياتكم الروحية وبعلاقتكم مع الله لأنها العمود الفقري لكل ما نقوم به وما نحن عليه. أدعوكم للاهتمام بحياتكم العائلية ولتعطوا أبناءكم وأعزاءكم لا المال فقط وإنما الوقت والانتباه والحب. اهتموا بأحاديثكم وطهروا ألسنتكم من الكلمات المؤذية والفاسدة.
أضاف البابا فرنسيس يقول: داووا جراح القلب بزيت المغفرة، سامحوا الأشخاص الذين جرحوكم وبلسموا الجراح التي سببتموها للآخرين. قوموا بعملكم على أكمل وجه بتواضع وشغف وبروح من يعرف كيف يشكر الرب، تنبّهوا من الحسد والكراهية ومن المشاعر السلبية التي تنهش سلامنا الداخلي فتدمرنا وتحوّلنا إلى أشخاص مُدمِّرين. تنبهوا من الاستياء والسخط الذي يحملنا إلى الانتقام، والكسل الذي يحملنا إلى الموت الوجودي، تنبهوا من الاتهام الذي يحملنا إلى الكبرياء، والتذمُّر الذي يحملنا إلى اليأس.
اهتموا بالإخوة الضعفاء أي بالمسنين والمرضى، بالجائعين والمشرّدين والغرباء لأننا سنحاسب على هذا الأمر. اهتموا بألا يكون عيد الميلاد مجرّد عيد استهلاكي للمظاهر أو للهدايا التي لا قيمة لها والإسراف وإنما عيدًا لفرح قبول الرب في المغارة والقلوب. ليفكر كل منا بنفسه: “ما هي الأشياء التي ينبغي عليّ أن أعتني بها؟” لكن الأهم هو الاهتمام بالعائلة! فالعائلة والأبناء هم كنز ثمين!
تابع الحبر الأعظم يقول كم سيتغيّر العالم إن بدأ منذ الآن كلٌّ منا بالاهتمام بصدق وسخاء بعلاقته مع الله والقريب، وإن عشنا وصيّة الإنجيل الذهبية التي أعطانا إياها يسوع في عظة الجبل: “فكُلُّ ما أَرَدْتُم أَن يَفْعَلَ النَّاسُ لكُم، اِفعَلوهُ أَنتُم لَهم: هذِه هيَ الشَّريعَةُ والأَنبِياء” (متى 7، 12)، لننظر إذًا إلى الآخر، ولاسيما الأشد عوزًا، بعين المحبة والحنان، كما ينظر الله إلينا وينتظرنا ويسامحنا، ولنجد في التواضع قوتنا وكنزنا! كم من مرة نخاف من المحبة والتواضع!
أضاف البابا يقول: هذا هو الميلاد الحقيقي: عيد فقر الله الذي واضع ذاته وأخذ طبيعة العبد؛ عيد الله الذي يخدم والذي يخفي نفسه عن الأذكياء والحكماء ويظهرها للصغار والبسطاء والفقراء، عيد “ابنَ الإِنسانِ الذي لم يَأتِ لِيُخدَم، بل لِيَخدُمَ ويَفدِيَ بِنَفْسِه جَماعةَ النَّاس” (مرقس 10، 45). ولكنه خصوصًا عيد السلام الذي حمله الطفل يسوع إلى الأرض: سلام بين السماء والأرض، سلام بين جميع الشعوب، سلام في القلوب؛ السلام الذي أنشده الملائكة: “المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام للناس أهل رضاه” (لوقا 2، 14). السلام الذي يحتاج لحماسنا واهتمامنا ليدفئ القلوب الباردة ويشجع الأرواح اليائسة وينير العيون المظلمة بنور وجه المسيح!
وختم البابا فرنسيس كلمته لموظفين حاضرة الفاتيكان بالقول: بهذا السلام في القلب أحييكم وأحيي عائلاتكم وأشكرها وأعانقها. أسألكم أن تسامحوني عن نواقصي ونواقص معاونيّ. ميلادًا مجيدًا وصلّوا من أجلي!