“أذكرني” يقول شمشون. بنفس الطريقة ونفس المعنى: أُذكرني يا رب، أُذكر عهدك الذي قطعته معي، لا تذكر خطاياي، لا تذكر آثامي، أُذكرني أنا. أنا لست خطيئتي، أنا لست إثمي، أنا هو عهدك. أنا هو من صنعتَهوأقسمتَ أن ترعاني. أُذكر هذا يارب. أُذكر رحمتك، ولا تنظر الى خطاياي. تذكّر الوعد الذي أقسمته لنوح (تك 9: 15)، ولإبراهيم ويعقوب واسحق ( خر 32: 12). أُذكرني، يارب.
شمشون يعرف أن الرب الجبّار، القويّ، كلي القدرة، يتحنّن ويشفق، بل ويتأثر من كل قلبه وأحشائه، عندما يسمع صوت الخاطئ النادم (هوشع 11: 8). فيجيب الرب: “كيف لي أن أنساك؟ إن نَسِيت الأم رضيعها أنا لن أنساك”. شمشون، أنت تعرف كل هذا وتتذكره في هذه اللحظة. أنت تعرف أن الرب يفرح عند سماع صوت الخاطئ التائب الذي يعود إلى المراعي من جديد (لوقا 15: 1- +). ألهذا صرخت وقلت: أُذكرني.
نعم، يقول شمشون: أُذكرني وشدّدني. وبهذا يطلب قوة من الرب. شدّدني، الكلمة بالعبرية تعني امنحني قوة، امنحني الشجاعة. أكيد، شمشون يطلب من الرب أن يمنحه القوة في هذه اللحظة، هو يعلم ماذا سيواجه، الآن سيواجه ما هو أصعب من كل الأعداء، سيواجه الموت. هذا الغريب، هذا غير المعروف، سيواجهه. إنه بالتأكيد سيطلب هذا من الرب: شدّدني، امنحني قوة كي لا أهرب منه. والكلمة تعني أيضا: “اربطني”، نعم “اربطني بشدة”.
هناك ميدراش يهودي، أى مجموعة تفاسير قديمة، يروي لنا تضحية إبراهيم باسحق، يقول: عندما علم اسحق أن أباه إبراهيم سيقدمه محرقة على الجبل، قال لأبيه: “أبي، أبتِ الحبيب، اربطني، اربطني بشدة (نفس الكلمة)، كي لا أقاوم وتكون ذبيحتك غير مرْضيّة”. اسحق يطلب من أبيه أن يساعده هو أيضا كي يتمم مشيئة الرب. يطلب منه أن يربطه بشدّة، كي لا يقاوم عندما يأتي حدّ السكين على عنقه. يطلب من أبيه ان يتأكد من أنه سيموت بدون صراع. لا أجد كلمات للتعليق…
الابن يطلب من الأب، والأب لا يتراجع بل يساعده. لكن الرب سيدبّر. هل هذا ما يطلبه شمشون من الرب: شدّدني، قوّيني، أي اربطني بشدّة في مشيئتك، لا تسمح بأنه في ساعة الصراع أهرب، كا فعلتُ من قبلُ كثيرا. اجعلنى أصمد، اجعلني أثق أنك أنت هناك وإن كنت لا أراك. وإن صرخت إليك، ساعةَ الألم وقلت لك: انزعها عني، فلا تستجِب. لتكن مشيئتك يا رب، اربطني، اربطني بشدّة. أهذا ما قاله شمشون؟
لا أعلم، أعلم انه قال: أُذكرني، يا رب، وشدّدني.
لكن الرب لا يجيب، وشمشون يثق أن الرب استجاب له. فيذهب ويستمر في طريقه. … والمسيح، سيستمر في طريقه، مهما منعه أصدقاؤه المقرّبون أن يذهب الى مكان موته.،هو يقول: لهذا أنا أتيتُ، فيذهب. وهو ذاهب كان يصلي، وكان من شدة الصراع يعرق دما، قائلا: إن شئتَ انزع هذا الكأس عني، ولكن لتكن مشيئتك، يا رب. نعم، لتكن مشيئتك، شدّدني.
كيف لي أن أختم هذا الفصل؟ لا أعلم. أجد شمشون، ذلك الجبّار الضعيف، يطلب قوة، المتكبّر الزاني عاشق دليلة، يطلب رحمة.،والأقوياء جالسون، مستهزئون، مفتخرون بقوّتهم، متعالون، اعتقدوا أنهم انتصروا وأن الحياةَ لهم والموتَ لشمشون. فمن الذي انتصر: هذا المسخ، الأعمى المنقاد من طفل صغير، أم هؤلاء الأقوياء الجالسون الضاحكون؟ المشهد واضح ولا حاجة للإجابة…. نحن نعلم الإجابة، لأننا نعرف القصة ونهايتها.
ولكن من يحياها لا يعلم. يرى نذير الرب عبدا، وأعداءه ملوكا جالسين. يرى الشر منتصرا، والخير يتوارى بسبب المختارين. يرى ضعف النذير وقوة العدو. يرى خطيئة أبناء النور وفرح العالم باستعبادهم.
فليس لي إلا ان أقول: أُذكرني وشدّدني…….