1- أحب الطفل الإلهي
شغف القديس شربل بقراءة الكتاب المقدس وسير كبار الحبساء القديسين، فطبع في شخصه كلام المسيح يسوع، شاخصا نظره وفكره وقلبه وإرادته نحو الطفل الالهي، سائرا خلفه بإتضاع ووداعة. فعلى غرار مغارة بيت لحم (راجع لو ٢/ ٧) حوّل غرفته- قلايته الى مغارة روحية، فبدل الوسادة كانت الخشبة يسند عليها رأسه، و سريراً مؤلفا «من ورق العفص والسنديان ولحاء الشجر، يبسط عليه بلاسا من شعر المعز وقطعة رثة من اللباد»( كتاب حبيس محبسة عنايا). ومن هنا علينا أن نطرح على أنفسنا الأسئلة التالية: هل الرفاهية هي مصدر فرحنا وأماننا؟ كيف نتحرر من وهم الرخاء والتبذير؟ وكيف نربي أنفسنا على الفضائل ولاسيّما فضيلة القناعة ؟
٢- العلامة الفارقة- الإنسانية
تأمل القديس شربل في حدث تجسد إبن الله (راجع يو ١/ ١٤)، ففهم في كلام الملاك (راجع لو ٢/ ١٢) المعنى الأساسيّ لإنسانيّته أنها مدعوة لتكون علامة وضيعة لحضور المحبة وسط العالم، تتحقق في إمتلاء الإنسان بالله (راجع لو١٢/ ٢٠). فاتخذ القديس شربل من الوسائل الفقيرة، إطارا يقدس بها إنسانيته: كالصلاة والتقشف والزهد والصوم والتوبة، والعمل والتضامن مع العمال وإرشاد النفوس. فصار جسده نبع حياة تجري منه الشفاءات والأعاجيب. فهل ندرك فعالية الوسائل الروحية في حياتنا الأسرية؟ أم نحن أسرى ثقافة الأشياء؟ (البابا فرنسيس)، ما معنى قيمة جسدي- شخصي؟ (راجع ١كور ٦/ ١٩- ٢٠).
3- الطفل والبراءة
إكتشف القديس شربل أن سر الإنجذاب نحو الله يكمن في قلب بريء يشبه قلب الطفل، وهذا القلب تأمله في طفل المغارة. فعرف القديس شربل أن محبّة الله تتطلبّ منه حبًّا مخلصًا ونقيًّا، فعمل طيلة حياته على تنقية قلبه من كل الشوائب والأوهام الباطلة، مسيرة روحيّة تنطلق من: تنقية الحواس؛ والمشاعر؛ والأفكار؛ والميول؛ والرغبات. وهل نعمل نظير شربل في تنقية حبنا من دنس الخطيئة؟ ما هو موقفنا النبوي تجاه سطوة وسائل الإعلام؟ هل ندرك مخاطر سوء إستعمال وسائل التواصل الإجتماعي؟ هل ننبه أولادنا على كيفيّة التمييز بين الوهم والحقيقة؟ بين الإفتراض والواقع؟ هل نربي فيهم حسّ التعامل مع الواقع بموضوعيّة؟ (البابا بنديكتوس السادس عشر).
4-مريم ويوسف البتول
عرف عن القديس شربل ولعه بمريم فكان يتلو ورديتها باستمرار، ويذكّر إخوته الرهبان بضرورة إكرام أم الله. وتعلم من القديس يوسف معنى الصبر وخاصة العفة، التي تجلت بأمانة يوسف المطلقة الى الله، عاشها القديس شربل من خلال التزامه الدائم والأمين لجسد المسيح- القداس الذي لم يفارقه طيلة حياته حتى إبان مرضه. فكان المثل والقدوة للرهبان لا بل للمؤمنين جميعاً. ونحن اليوم، كيف نحيا العفة؟ كيف نربي أولادنا على الحب العفيف؟ هل يشاهدوا فينا تلك الأمانة المخلصة لله واللآخر وللقيم؟
4- إكليل النجاح
ليس المهم ما تحققه من نجاحات في الحياة، بل الأهم من ذلك أن تختم حياتك بإكليل الإنتصار. ففي ليلة الميلاد سنة ١٨٩٨م ختمت حياة القديس شربل كما بدأها، أي في القداسة، عاش قديسا ومات قديسا. فعندما سمع الناس بوفاته تقاطرت الجماهير من كل النواحي المجاورة لدير مار مارون عنايا «من مسيحيين ومتاولة(شيعة)… وأكثر هؤلاء الناس لم يكونوا مدعوين بل حضروا تبركا واحتراما… ترافقه العيون والقلوب والألسن تقول له :” هنيئا لك يا قديس، أذكرنا عند الله واشفع فينا … ليرحمنا ويرزقنا ميتة صالحة» ( بركة عن القبر القديس شربل).
خلاصة روحية
إنطلاقاً مما سبق، علينا أن نسائل أنفسنا بإستمرار التالي: هل تتطابق إرادتي مع إرادة يسوع؟ كيف أحيا مسيرتي الروحيّة والكنسيّة والعائليّة والإجتماعيّة؟ هل أفكر في أبديتي؟ يبقى طفل المغارة المقياس العملي والموضوعي والإيمانيّ لحياتي، فمنه أتعلّم كيف أحيا النجاح الحقيقي، وفيه أنال فرح اللقاء بالله المحبّة الحاضر دوماً وسط القلوب المتواضعة، ومعه أسير بشفاعة القديسين نحو خاتمة مقدسة ومشرفة لحياتي، على مثال حياة القديس شربل، حيث يوماً ما ستكتمل ولادتي- هويتي في السماء.
ولد المسيح هللويا.