أيها الإخوة والأخوات الأحباء، أيها المؤمنون في ربوع الأردن العامرة،
الاحتفال بعيد ميلاد السيد المسيح مرتبط بقيم السلام والفرح والرجاء. وهو عكس واقع الحرب والعنف واليأس. وميلاد هذه السنة يحمل على الواقع الأخير، واقع الإحباط واليأس أكثر مما يحمل على السلام والفرح والرجاء. السبب هو الوضع الذي نعيشه وتعيشه بلاد الشرق الأوسط، وتعيشه بالتحديد سوريا الشقيقة والعراق الحبيب. لا نتكلم عن وضع الأراضي المقدسة، لأن داءها مُزمن والظاهر أن الحل بيد الله تعالى.
السؤال الذي نطرحه يوم العيد: هل يحق لنا أن نستسلم لليأس، للخوف من المستقبل، هل نقبل الأفكار السوداء التي بدأت تدور في رؤوسنا؟ لا. لن نستسلم لليأس. فيسوع المخلص يبشّرنا أن السلام ممكن وأن شعلة الرجاء لا تزال حية، ولا بد من أستتاب العدل وإنجاز السلام والمصالحة. كلمات كبيرة: سلام، رجاء، عدل، مصالحة. نعم كل هذا ممكن. ممكن لأننا:
– أولا : نؤمن أن الله تعالى هو سيّد التاريخ وأحداث التاريخ. نحن نؤمن أن الله هو الصلاح بالذات، ولأنه صلاح وخير لا يمكن أن يقود العالم إلا إلى الخير والصلاح، بالرغم من الظروف التي توحي بعكس ذلك. نؤمن أن قدرة الله تفوق مصالح البشر وتفوق حسابات قادة العالم الذين يتحكّمون بمصير البلاد والعباد.
– ثانيًا :كلُّ هذا ممكن لأننا نؤمن ان السلام ليس ثمرة حسابات بشرية ولا مفاوضات سياسية ولا صفقات تجارية ولا تقاطع مصالح كبرى. السلام والرجاء والعدل والمصالحة قيم إنجيلية، السلام نعمة نطلبها من الله بالصلاة المتواضعة والمتواترة. نؤمن بأن ليس من سلام حقيقي بين الشعوب ما لم يسبقه سلام بين الإنسان وربه وبين الإنسان ونفسه وبين الإنسان وأخيه الإنسان.
– ثالثًا : كلُّ هذا ممكن لأننا نؤمن أن يسوع المسيح لم يتجسّد ويصبح واحدًا منا لمجرّد التسلية أو للتعبير عن عاطفة عابرة وضبابية مع بني البشر. تجسّدَ يسوع المسيح ليقول لنا أنه يُعيد الخلق إلى ما كان عليه قبل خطيئة أبوينا الأولين. “في البدء كان الكلمة والكلمة كان لدى الله والكلمة هو الله”. في البدء كان آدم، وها هو الآن آدم جديد اسمه يسوع المسيح. في البدء كانت حواء وها هي الآن حواء جديدة اسمها مريم العذراء. في البدء كانت شجرة معرفة الخير الشر التي جلبت لنا الموت، وها هي الآن خشبة الصليب التي نزعت فتيل الموت وحوّلت الموت إلى حياة.
– ولأننا نؤمن بكل هذا، نحتفل بعيد الميلاد ونفرح بعيد الميلاد ونصلي في عيد الميلاد بالرغم من العنف الموت والحقد الذي يحيط بنا والذي يعصف بأرواح آلاف الأبرياء من إخواننا وأشقائنا في أكثر من بلد عربي.
في هذا العام ، نحتفل بالعيد وما زالت بلدان عديدة تئن تحت وطأة الظلم وانتهاك الكرامة الانسانية ، وقد تم في الاشهر الماضية ، مع كل اسف، تفريغ بعض المناطق من العراق الشقيق من سكانها الاصليين، على أسس دينية وعقائدية . اننا وبمناسبة الاحتفال بعيد الميلاد ، وفيما ياخذ العيد في بلادنا طابعا وطنيا تعبيرا عن وحدة وطنية غالية ، وفيما يحتفل الاخوة المهجرون من العراق بالعيد، بعيدا عن وطنهم وبيوتهم، نشكر كل الجهود التي بذلت في الاشهر الماضية لاستضافتهم وتقديم العون لهم ، بعد أن فتح الاردن ذراعيه وقلبه لاستضافتهم، ونقدر بشكل خاص ما قدمته جمعية الكارتياس الاردنية التي تعبتر ذراع الكنيسة الاجتماعي الخيري، كما نشكر كل الافراد والمؤسسات التي هبت لنجدة اخوتهم الذين وجدوا في الاردن الملاذ الآمن والحضن الدافئ الذي عزز لديهم من جديد الشعور بالكرامة الانسانية .
وختاما، أتمنى للجميع عيد ميلاد مجيد وسنة جديدة مباركة. حمى الله الأردن سالمًا آمنًا وحمى قيادته الهاشمية وحكومته الرشيدة بقيادة سيّد البلاد جلالة الملك عبد الله بن الحسين حفظه الله ورعاه. وكل عام وأنتم بخير
+ المطران مارون لحام