الأباتي أبو عبدو يصف جلجلة حلب في لقاء صلاة في الولايات المتحدة الأميركية

كلمة الاباتي سمعان أبو عبدو المدبر البطريركي على أبرشية حلب المارونية خلال الذبيحة الإلهية التي أقيمت في فلادلفيا-بنسلفانيا، الولايات المتحدة الاميركية على نية السلام في سوريا وخاصة في حلب يوم الاحد 20 أيلول 2015

Share this Entry

دم الشهداء هو بذار القديسين (ترتليانوس).

لا يمكننا أن نفكِرّ بشرق أوسط خال من المسيحيين الذين بُشِّروا باسم المسيح لألفي سنة هناك…… لمواجهة مأساة الحد من الوجود المسيحي في الأرض التي ولدت فيها المسيحية ومنها انتشرت.” ( البابا فرنسيس، كونسيستوار من أجل الشرق الأوسط، الاثنين 20 تشرين الأول 2014)

 

1 – يُشرِّفني أن أكون بينكم اليوم في كنيسة مار شربل، وفي هذه المدينة العريقة  فيلادلفيا – بنسلفانيا، الولايات المتحدة الاميركية. لنصلّيَ من أجل السلام في سورية وخاصة في حلب.

أشكر حضور الجميع وبخاصة الذين أتَوا من أمكنة بعيدة لنكون معا، ونصليَ إلى ملك السلام سيدِنا يسوع المسيح. نرفع الصلاة معكم أيها الإخوة من أجل إنهاء الحرب في سوريّا، نقدّمها ذبيحة تعويض وتكفير عن كل الشرور والنزأعات التي تُرتكب في هذه الحروب حيث تُدمَّر مدن، ويُقتل أبرياء وتُشرد عائلات.

أودُّ أن أشكر معكم راعي هذه الكنيسة الأب ريمون مخلوف الذي تكرم وسمح لنا بالاحتفال بهده الذبيحة الإلهية، واستقبلنا بكل محبة وسرور…. كما وأشكر الأباء المساعدين واللجان والجمعيات والأخويات.

إخوتي الأحباء،

2 – نحن في زمن الصليب، ويسوع يعلمنا أنّ طريق مجد الملكوت تمرّ عبر الصليب، مطبوعةً بالألم والمحن إعداداً للقيامة مع الربّ في مجد ملكوته.

دفع يسوع ثمنأً باهظاً ليحرر الإنسان من عالم الظلمة وعبودية الخطيئة بموته على الصليب، وبفضل انتصاره على الظلمة والشرّ بقيامته، أعطى آلام البشر قيمة خلاصية بحيث تُثمر الآلام  حياة جديدة. وأنّ نَهْجَ هذا المَلك الجديد: طاعةٌ لمشيئةِ أبيه، وخدمةٌ لبني البشر، “جاء ابن الإنسان لِيَخدُم ويبذل نفسه فدىً عن الكثيرين” (مرقس 10: 45).

3 –  إنَّ تحقيق المستقبل مرتبط بالمسيح الذي هو الألف والياء، هو غاية الوجود واكتمال سر الخلاص، وبه يتحقق مصير كل إنسان. إنّ العلامات المباشرة لمجيء المسيح هي أنّ المسحيِّين في الحالة الحاضرة سيعانون الاضطهاد. فيسوع سيكون حاضراً في قلب الاضطهاد والتعذيب. يحثّ المسيحيين على الصبر”ومن يصبر إلى المُنتهى يخلُص”، ويطلب من المؤمنين به ألاَّ تفترَ محبتهم. فالصبر يعطيهم الملكوت.     

4 – كلام الإنجيل نعيشه اليوم في حلب. أنا آت من مدينة حلب المنكوبة والجريحة، أهالي سوريا وبخاصة حلب يُعانون العذاب والضيق الشديدين والتشتت، من جراء حرب عبسية يُقتل فيها الإنسان، ويُقصف بيته ويصبح بلا مأوى ويُهجّر، لا أمن ولا استقرار، كل ذلك نتيجة حرب أهلية لا معنى لها ولا نهاية لها تلوح في الأفق.

          5 –   نحن نعيش أوقاتٍ صعبةً، دربَ جلجلة، نتيجة العنف والإرهاب وأعمال التنظيمات الأصولية، نفتقد لأبسط وسائل العيش، ولكي يعيش الإنسان بكرامته.

مثال على ذلك: لا إنترنيت منذ الأول من شهر نيسان 2015 حتى اليوم، انقطاع المياه والكهرباء لأسابيع بل لشهور، وخاصة في فصل الصيف، فقدان المازوت والبنزين لأسابيع عديدة ، وخاصة في فصل الشتاء، نقص في الأدوية، وهجرة للأطباء.

أدعوكم لتتخيلوا معي كيف يمكن أن تعيش العائلات التي يوجد فيها أطفال ومسنّون ومرضى….

6 –  موقف الكنيسة: حضور والتزام، الكنيسة ما زالت حاضرة للخدمة والمساعدة، انطلاقاً من دعوة يسوع المسيح لنا، ونداء البابا فرنسيس الذي يدعونا إلى الانطلاق والخروج إلى الضواحي الوجودية وأن نكون على الجبهات الإنسانية. تسعى الكنيسة، بكل أعضائها أساقفة وكهنة ومكرسين ومؤمنين وجمعيات لتأمين الغذاء والدواء والمسكن والعمليات الطبية لكل محتاج، قريبة من كل الناس بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية والطائفية، وبخاصة الفقراء منهم مادياً وروحياً. وهنا أودّ أن أشكر كل المؤسسات والجمعيات الكنسية التي تساعدنا لكي نبقى ونستمر. صداقة إخوتنا في بلاد الاغتراب، ودعمهم لنا وتضامنهم معنا، يمنحنا الشجاعة للصمود والبقاء في أرضنا وكنائسنا والاستمرار من أجل أن نشهد لمسيحيتنا.

7 –        أرض الشرق الأوسط، وسوريا وحلب خاصة‘ تعيش تجربة الاستشهاد اليومي، إنّ الأرض ارتوت بدم العديد من الرجال والنساء بينهم مسيحيون كُثر يُضطَهدون من أجل إيمانهم، لأنهم مسيحيون، تماما مثلما عاشت الكنيسة الأولى. نحن لا نريد أن نترك بلدنا ونُفرِّغَه من الوجود المسيحي، فيه يكمن كلُّ تاريخِنا وهُويَّتِنا. هي أرض اهتداء مار بولس، هي أرض مار مارون الناسك وسمعان العمودي والطوباويين المسابكيين الشهداء الثلاثة، والكثير من الشهداء والقديسين،

8 – أيها الإخوة، نصلي معكم اليوم، ونقدّم هذه الذبيحة الإلهية، لراحة نفوس الشهداء والذين قتلوا وفقدوا في هذه الحرب، والذين قدّموا ذواتِهم ذبيحة فداء على مذبح الوطن، راجين لهم إكليل المجد في السماء إلى جانب الشهداء القديسين. كما نقدّمها من أجل شفاء الجرحى والمصابين، وتحرير المخطوفين من الأساقفة والكهنة والعلمانيين وعودتِهم إلى عائلاتهم وإلى رِحاب الكنيسة والوطن.

9 –  إنّ القتل باسم الله هو تدنيس للدين. لا يحق لأحد أن يستعمل الدين للقيام بأعمال عنف. فَلْتصمُتِ الأسلحةُ، وَلنضعْ حداً للعنف، كفى حروباً، كفى دماراً، فَلْتُحترَم حقوق الإنسان. معكم اليوم نناشد كل المسؤولين، لإنهاء الحروب ووقف التسلح والإتجار بالبشر، وعدم ا
ستعمال المال للقتل والتدمير. بل العمل على إيجاد الحلول السلمية بالحوار والمفاوضات، وبدل الهدم العمل على بناء الجسور بين الإنسان والإنسان وبين الحضارات والثقافات.

10 –  أمام هذه الشدّة المؤلمة نسمع صوت الربّ ينادينا: “أنا هو الطريق والحق والحياة” (يوحنا 14: 6). نحن أصحاب دعوة وهي أن نشهد لفرح الإنجيل. حضور الربّ معنا يقوينا ويشجّعنا في حياتنا الصعبة حتى لا نستسلم لليأس، ونكون أبناء وبنات الرجاء. ماذا علينا أن نعمل؟ أولاً أن نصلي، وبعدها أن نحب، أن نعمل، أن ننقل الرجاء الى كل الناس، والروح القدس يكمل الباقي.

نحن نؤمن بأنّ الكلمة الأخيرة هي للمحبّة التي ستنتصر على الكراهية، وأنَّ الرحمة هي طريق السلام في العالم وفي الأوطان وفي القلوب. “طوبى لفاعلي السلام، فإنّهم أبناء الله يُدعون” (متى 5: 9).

   نتضرع إلى والدة الإله وأمنا: السلام لكِ، أيتها العذراء مريم، ملكة العالم والسلام والحبّ. العديد من المسنين والأولاد والنساء والعائلات يسقطون ضحايا الحرب العنف والارهاب، في هذا العالم. فأحلّي السلام والحبّ والحرية على وجه الأرض، يا ملكة العالم بأسره. أمين.

 

Share this Entry

Simon Abu Abdo

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير