ترأس قداسة البابا فرنسيس عند الساعة السادسة من مساء الجمعة بالتوقيت المحلي القداس الإلهي في حديقة ماديسون سكوير في نيويورك وللمناسبة ألقى الأب الأقدس عظة استهلها بالقول: “الشعب السالك في الظلمة أبصر نورًا عظيمًا” (أشعيا 9، 2). الشعب السائر، الشعب وسط نشاطاته واهتماماته اليوميّة، الشعب السائر والمُحمَّل بنجاحاته وأخطائه، خوفه وفرصه، هذا الشعب قد أبصر نورًا عظيمًا. الشعب السائر بأفراحه ورجائه، بإحباطه ومرارته، هذا الشعب قد أبصر نورًا عظيمًا.
تابع البابا فرنسيس يقول إن شعب الله مدعوٌّ في كل مرحلة ليتأمل هذا النور. نور يريد أن ينير الأمم: هكذا أعلنه سمعان الشيخ، نورًا يريد أن يصل إلى كل زاوية في هذه المدينة وإلى كل فسحة في حياتنا. “الشعب السالك في الظلمة أبصر نورًا عظيمًا”. إن إحدى ميزات الشعب المؤمن تمر عبر قدرته، وسط “ظلماته”، على رؤية وتأمل النور الذي جاء المسيح ليحمله. الشعب المؤمن يعرف كيف ينظر ويميّز ويتأمّل حضور الله الحي في حياته.
أضاف الأب الأقدس يقول إن معرفة أن يسوع لا يزال يسير دروبكم، ويختلط بحيوية في شعبه ويشمل الأشخاص في تاريخ خلاص وحيد، تملؤنا بالرجاء، رجاء يُحرّرنا من تلك القوة التي تدفعنا لننعزل ونتجاهل حياة الآخرين وحياة مدينتنا. رجاء يحررنا من “روابط” فارغة وتحاليل مجرّدة. رجاء لا يخاف من أن يكون كالخميرة في الأماكن التي ينبغي علينا أن نعيش ونعمل. رجاء يدعونا لننظر وسط “الضباب” إلى حضور الله الذي لا يزال يسير في مدينتنا، لأن الله يقيم في المدينة.
تابع الحبر الأعظم متسائلاً: كيف هو هذا النور الذي يمرُّ عبر دروبنا؟ كيف يمكننا أن نجد الله الذي يعيش معنا وسط “ضباب” مدينتنا؟ كيف نلتقي بيسوع الحي والعامل اليوم في مدننا المتعددة الثقافة؟ يمكن للنبي أشعيا أن يقودنا في “تعلُّم النظر” هذا؛ لقد حدثنا عن النور الذي هو يسوع وهو الآن ويقدم لنا يسوع “عجيبًا مشيرًا، إلهًا جبارًا، أبا الأبد، رئيس السلام” (أشعيا ٩، ٥). بهذه الطريقة يُدخلنا في حياة الابن لتكون هذه الحياة حياتنا أيضًا.
أضاف الأب الأقدس “عجيبًا مشيرًا”. تخبرنا الأناجيل كيف أن كثيرين يذهبون إلى يسوع ليسألوه: يا معلم، ماذا ينبغي علينا أن نفعل؟… وأول تصرف يولده يسوع بجوابه هو اقتراح وتحفيذ. فهو يقترح على الدوام على تلاميذه أن ينطلقوا ويخرجوا ويدفعهم للذهاب للقاء الآخرين حيث هم ولا حيث نريدهم أن يكونوا. اذهبوا مرّة، مرّتين وحتى ثلاث مرات، انطلقوا بدون خوف، انطلقوا بدون نفور. اذهبوا وأعلنوا هذا الفرح الذي هو فرح لجميع الشعوب. “إلهًا جبارًا”. في يسوع صار الله الـ “عمانوئيل”، الله معنا، الله الذي يسير بقربنا والذي اختلط بأمورنا وبيوتنا وبـ “قدورنا ومقالينا” كما كانت القديسة تريزيا الطفل يسوع تحب أن تقول.
تابع الأب الأقدس يقول ” أبا الأبد”. لا يمكن لشيء أو لأحد أن يفصلنا عن محبّته. اذهبوا وبشروا، انطلقوا وعيشوا الله الذي في وسطكم كأب رحيم يخرج كل صباح وكل مساء ليرى إذا كان ابنه عائدًا إلى البيت، وما إن يراه آتيًا حتى يركض لمعانقته. عناق يريد أن يستقبل ويطهّر ويرفع كرامة أبنائه. أب يحمل في معانقته البشرى السارة للفقراء الراحة لمُنكسري القلوب والحريّة للمأسورين والتعزية للمحزونين (أشعيا ٦١، ١). “رئيس السلام”. انطلقوا نحو الآخرين لمشاركتهم البشرى السارة بأن الله هو أبانا، يسير إلى جانبنا ويحررنا من وضعنا المجهول، من المنافسة والمرجعية الذاتية، لننفتح على مسيرة السلام. ذاك السلام الذي يولد من الاعتراف بالآخر، ذاك السلام الذي يولد في القلب لاسيما عندما ننظر إلى الأشد عوزًا كأخ لنا.
وختم البابا فرنسيس عظته بالقول الله يعيش في مدننا والكنيسة تعيش في مدننا، والله والكنيسة اللذان يعيشان في مدننا يريدان أن يكونا الخميرة وسط الجموع، وأن يختلطا مع الجميع ويرافقاهم ويعلنا عظائم ذاك العجيبً المشير، الإله الجبار، أبا الأبد، رئيس السلام. “الشعب السالك في الظلمة أبصر نورًا عظيمًا” ونحن المسيحيون شهود على هذا الأمر!