قام قداسة البابا فرنسيس عصر أمس الأحد بزيارة إلى الكنيس اليهودي في روما، وللمناسبة، وجه الأب الأقدس كلمة قال فيها: في زيارتي الأولى لهذا الكنيس كأسقف روما، أرغب في أن أوجه لكم، وإلى كل الجماعات اليهودية، تحية سلام أخوية، وأضاف أنه عندما كان في بوينوس آيريس، اعتاد الذهاب إلى الكنس اليهودية للقاء الجماعات المجتمعة هناك، ومتابعة الأعياد والمناسبات اليهودية ورفع الشكر للرب الذي يهبنا الحياة ويرافقنا في مسيرة التاريخ، وأشار إلى أنه، ومع مرور الزمن، نشأ رباط روحي عزز ولادة علاقات صداقة حقيقية والهم أيضا التزامًا مشتركًا. ففي الحوار بين الأديان، من الأهمية بمكان أن نلتقي كأخوة وأخوات أمام خالقنا ونرفع له التسبيح، ونحترم ونقدّر بعضنا البعض ونسعى للتعاون، وأشار إلى أنه في الحوار اليهودي ـ المسيحي هناك رباط فريد ومميّز بفضل الجذور اليهودية للمسيحية… وأضاف البابا فرنسيس أنه من خلال هذه الزيارة، يريد إتباع خطى سلفيه: يوحنا بولس الثاني الذي زار هذا المكان لثلاثين سنة خلت، في الثالث عشر من نيسان أبريل عام 1986؛ والبابا بندكتس السادس عشر منذ ست سنوات. وأضاف البابا أنه معا، كيهود وكاثوليك، نحن مدعوون لتحمّل مسؤوليتنا إزاء هذه المدينة، مقدمين إسهامنا الروحي قبل كل شيء، ومساهمين في حل المشاكل الحالية المتعددة، وأمل البابا بأن ينمو دائما القرب والمعرفة المتبادلة والتقدير بين جماعتينا، وأشار أيضا لاحتفال مجلس أساقفة إيطاليا هذا الأحد، السابع عشر من كانون الثاني يناير، “بيوم الحوار بين الكاثوليك واليهود”…
لفت الأب الأقدس في كلمته إلى أنه تمّ مؤخرا إحياء الذكرى الخمسين للبيان (في عصرنا) للمجمع الفاتيكاني الثاني وذكّر بعدها بما قاله في الثامن والعشرين من تشرين الأول أكتوبر الفائت وفي ساحة القديس بطرس “يستحقّ امتنانًا خاصًّا لله التحوّل الحقيقي الذي تمّ خلال هذه السنوات الخمسين في العلاقة بين المسيحيين واليهود. لامبالاة ومعارضة تحوّلتا إلى تعاون ومحبة. ومن أعداء وغرباء أصبحنا أصدقاء وإخوة. بواسطة البيان “في عصرنا” رسم المجمع الدرب: “نعم” لإعادة اكتشاف الجذور اليهودية للمسيحية؛ “لا” لجميع أشكال معاداة السامية، وإدانة لكل ظلم وتمييز واضطهاد ينتج عنها”. كما أشار البابا فرنسيس في كلمته إلى أنه في العاشر من كانون الأول ديسمبر 2015، نشرت لجنة العلاقات الدينية مع اليهودية وثيقة جديدة تتناول قضايا لاهوتية برزت خلال العقود الأخيرة بعد نشر البيان المجمعي “في عصرنا”…
وتابع الأب الأقدس كلمته في الكنيس اليهودي في روما متحدثا أيضا عن تحديات كبيرة يواجهها عالم اليوم، وأشار إلى أن الإيكولوجيا المتكاملة هي أولوية. وأضاف أن النزاعات والحروب والعنف والمظالم تفتح جراحا عميقة في البشرية وتدعونا لتعزيز الالتزام من أجل السلام والعدالة. كما وأشار إلى أن عنف الإنسان ضد الإنسان يتعارض مع كل ديانة جديرة بهذا الاسم، ولاسيما مع الديانات التوحيدية الثلاث الكبرى. وأضاف البابا فرنسيس كلمته قائلا إن الحياة مقدسة باعتبارها عطية من الله، وتوقف بعدها عند الوصية الخامسة من الوصايا العشر “لا تقتل” (سفر الخروج 20، 13). وأشار البابا إلى أن كل كائن بشري، لكونه خليقة الله، هو أخ لنا، بغض النظر عن أصله أو انتمائه الديني. وتابع الأب الأقدس كلمته لافتًا لأهمية النظر إلى كل شخص بمحبة، كما يفعل الله الذي يمدّ يده الرحيمة للجميع ويعتني بجميع من هم أكثر حاجة إليه: الفقراء، المرضى، المهمشون والعزّل. فحيثما الحياة معرّضة للخطر، نحن مدعوون أكثر فأكثر لحمايتها. وأضاف البابا فرنسيس: علينا أن نرفع الصلاة بإلحاح إلى الله كي يساعدنا على أن نطبّق في أوروبا والأرض المقدسة والشرق الأوسط وأفريقيا وفي كل ناحية من العالم، منطقَ السلام والمصالحة والمغفرة والحياة.
وأشار البابا فرنسيس إلى أن الشعب اليهودي، وفي تاريخه، قد اختبر العنف والاضطهاد وصولا إلى إبادة اليهود الأوروبيين خلال المحرقة. ستة ملايين شخص، وفقط لمجرّد كونهم ينتمون للشعب اليهودي، كانوا ضحايا العمل الأكثر همجية ولاإنسانية الذي ارتُكب باسم إيديولوجية أرادت أن يحلّ الإنسان محلّ الله. وأضاف البابا أنه في السادس عشر من تشرين الأول أكتوبر عام 1943، تم ترحيل أكثر من ألف رجل وامرأة وطفل من الجماعة اليهودية في روما إلى أوشفيتز وقال: أودّ اليوم أن أتذكرهم بشكل خاص: لا ينبغي أبدا نسيان آلامهم ومخاوفهم ودموعهم. على الماضي أن يشكل درسًا للحاضر والمستقبل. تعلّمنا المحرقة بأنه ينبغي التيقظ دائما، للتمكّن من التدخل سريعًا دفاعًا عن الكرامة البشرية والسلام. أود التعبير عن قربي من كل شاهد على المحرقة لا يزال على قيد الحياة، وأوجه تحية خاصة للحاضرين اليوم هنا. وفي ختام كلمته في الكنيس اليهودي في روما قال البابا فرنسيس: علينا أن نكون ممتنين لكل ما تم تحقيقه خلال السنوات الخمسين الفائتة لأنه نما بيننا وتعمّق الفهم المتبادل والثقة المتبادلة والصداقة. ليباركنا الرب ويحفظنا ويضئ بوجهه علينا ويرحمنا وليرفع وجهه نحونا ويمنحنا السلام (راجع سفر العدد 6، 24 ـ 26).
(إذاعة الفاتيكان)