استقبل قداسة البابا فرنسيس ظهر السبت في قاعة بولس السادس بالفاتيكان رجال الأعمال المجتمعين في اتحاد الصناعيين وللمناسبة وجّه الأب الأقدس كلمة رحّب بها بضيوفه وقال بهذا اللقاء الذي يشكّل علامة جديدة في تاريخ جمعيّتكم، أخذتم على عاتقكم أن تلتزموا في المساهمة من خلال عملكم من أجل مجتمع أكثر عدالة وقربًا من احتياجات الإنسان. تريدون أن تتأمّلوا معًا حول أخلاقية العمل، وقررتم معًا أن تشدّدوا الانتباه على القيم التي تشكّل “العمود الفقري” لمشاريع التنشئة وعلى تعزيز العلاقات الاجتماعيّة.
تابع البابا فرنسيس يقول ليلهمكم الشعار “العمل معًا”، الذي اخترتموه ليرشدكم ويوجّهكم، على التعاون والمقاسمة وتحضير السبل لعلاقات ينظّمها حس مسؤوليّة مشترك. هذا الدرب يفتح المجال لاستراتيجيات وأساليب ومواقف جديدة. كم ستصبح حياتنا مختلفة إن تعلّمنا يومًا بعد يوم كيف نعمل ونفكّر ونبني معًا! في عالم العمل المركّب، تعني عبارة “العمل معًا” الاستثمار في مشاريع تشمل أشخاصًا غالبًا منسيين ومُهمَلين. من بينهم العائلات، مدرسة إنسانيّة تجد فيها خبرة العمل والتضحيّة معنى وقيمة. وبالإضافة إلى العائلات لا يمكننا أن ننسى الفئات الأشد ضعفًا والمهمّشين كالمسنّين على سبيل المثال الذين لا يزال بإمكانهم أن يقدموا موارد وطاقات من أجل تعاون فعّال.
أضاف الحبر الأعظم يقول يمكن لجميع هذه القوى معًا أن تصنع الفرق من أجل عمل يتمحور حول الشخص البشري ونوعيّة علاقاته وحقيقة التزامه في بناء عالم أكثر عدالة وعالم للجميع. في الواقع إن “العمل معًا” يعني بناء العمل على تعاون العديد وليس على مهارة فرد واحد، أي بمعنى آخر “بناء شبكات” من أجل تثمين مواهب الجميع بدون إهمال فرادة وتَمَيُّز كل فرد منهم. ليكن الإنسان إذًا في محور كل عمل، وليس الإنسان المجرّد والمثالي وإنما الإنسان الملموس مع أحلامه واحتياجاته، آماله وأتعابه.
تابع الأب الأقدس يقول إن الاهتمام بالإنسان الملموس يتطلّب سلسلة خيارات مهمّة: يعني أولاً إعطاء كل شخص ما هو من حقِّه، يعني أيضًا أن نعرف كيف نوجّه ونصغي متقاسمين بتواضع وثقة المشاريع والأفكار، يعني أيضًا أن نعمل لكي يخلق العمل عملاً آخرًا، والمسؤوليّة مسؤوليّة أخرى، والرجاء رجاء آخرًا، ولاسيما للأجيال الشابة. في الإرشاد الرسولي “فرح الإنجيل” ذكّرت بتحدي أن يعضد واحدنا الآخر وأن نجعل من الخبرة المتقاسمة فرصة من أجل إمكانيات لقاء وتضامن بين الجميع إزاء العديد من حواجز الظلم والوحدة وعدم الثقة والشك.
أضاف الحبر الأعظم يقول أيها الأصدقاء الأعزاء أنتم تملكون دعوة نبيلة موجّهة نحو إنتاج غنى وتحسين العالم للجميع؛ ولذلك أنتم مدعوون لتكونوا بناة للخير العام وصانعي أنسنة جديدة للعمل. أنتم مدعوون لتحافظوا على المهنيّة وفي الوقت عينه لتتنبّهوا للأوضاع التي يتم فيها العمل لتفادي الحوادث والمشاكل. لتكن على الدوام دربكم الرئيسيّة العدالة التي ترفض التوصيات والمحسوبيّة، والانحرافات الخطيرة للنزاهة والمساومات السهلة. ولتُميِّز التزامكم محبّتكم للغير فيحملكم لترفضوا بشكل جذري كل ما بإمكانه أن يدوس كرامة الشخص البشري باسم الضرورات الإنتاجية التي تخفي وراءها أرباحًا فرديّة وتعطشًا للربح.
وختم البابا فرنسيس كلمته لرجال الأعمال بالقول ليكن الخير العام البوصلة التي توجّه النشاط الإنتاجي لكي ينمو اقتصاد للجميع ومن أجل الجميع ولا “يُماطِل عينَ المُعوِز” (سيراخ 4، 1). هذا أمر ممكن شرط ألا يتغلب إعلان الاقتصاد الحر على حريّة الإنسان الملموسة وحقوقه، وألا يكون السوق مطلقًا بل أن يحترم متطلبات العدالة وكرامة الشخص البشري. أشكركم على التزامكم وعلى الخير الذي تقومون به، ليبارككم الرب ولا تنسوا أن تصلّوا من أجلي.
(إذاعة الفاتيكان)