Holy Bible open on Altar

Robert Cheaib - theologhia.com

ما هي الحقيقة؟ هل هي في الكتاب المقدّس؟

يسوع حقيقة الله

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry
إنّ من يتعمّق في قراءة ما لدينا عن يسوع، سرعانَ ما يكتشف الخطر، خطر الحرفيّة أو عبادة الحرف، خطر كسل الفكر الذي يهدّد كلّ متديّن تسحره رموز العالم الــ “ماورائيّ” . فالمكتوب عن يسوع المسيح في الكتاب المقدّس هو الباطن، لكن يسوع ليس سجينًا بهذه الحروف فقد جاءت الكتابةُ لتستعيضَ بالحرف عن الأرض، عن التربة. الكتاب المقدّس يحرّر العقل، إنه كالنبات جذورهُ سجينة لكنه يرتفع نحو الأعالي. من يعرف القراءة، يجب أن يتعلّم ما يقرأه. أن يتحرّر من هذه الرهبة التي يستشعرها المرء بسهولة أمام كلّ ما هو مقدّس. والمقدّس سجن الإنسان مذ تديّن، منذ رفع عينيهِ الى فوق، سجن الإنسان في أمكنة مقدّسة وأراض مقدّسة وشعوب مقدّسة. هذه التبعيّة هي التي وضعت الإضطراب في نموّ انسانيّتهِ والدليل هو خوفهِ الدائم من الفكر والتفكير.
 ابراهيم ابن آور إنطلق من العراق نحو العالم، عبرَ من طفولة المعتقد والتديّن التبعيّ ليصل إلى قامة الايمان الحقيقي، وصار “خليل الله”  وصار أبًا لكلّ المؤمنين،لا بالدم ولا بالعواطف فهما العنصران اللذان اختزلنا بهما الإيمان (الله قادرٌ أن يقيم من هذه الحجارة أبناءً لابراهيم)، إنه خليل الله بالمسافة، فكلّ صداقةٍ تعني مسافة، والحبّ يعني مسافة، إذ لا يمكن للحبّ أو للصداقة أن يقفا على قدمي حريّتهما، إلاّ إذا تقدّما بوعي نحو الآخر، الذي يختلف، وهذا يتمّ الآن وليس بعد الموت كما يعتقد الكثيرون. قال يسوع: ” إنّ إبراهيم رأى يومي وآمنَ” أي رأى حقيقتي، فيسوع يكمل بشكل مدهش شوط ابراهيم في كشفه لحقيقة الديانة، إذ أنها ليست معلومات مقدّسة، ولا أخبار إلهيّة، ولا كشفًا يلبّي فضولنا للماورائيّات.
الديانةُ قبل كلّ شيءٍ تعليم وتفسير لجوهر الانسان، إنها ممارسة ودعوة لتلك الممارسة. إذن لا يمكننا أن نفصل الصداقة والحبّ عن تلك الممارسة أو نفصل المعرفة عنها. بدون تلك الممارسة، تُشبه المفاهيم اللاهوتيّة بإطاراتٍ فارغةٍ لصور لاوجود لها.
إنّ حقيقة يسوع المسيح، هي حقيقة كونيّة، لانّ البعدَ الإلهي فيها يتجلّى من خلال وجهٍ بشريّ، هذا الوجه يصحّ فيه الانحراف الذي ذكرناه عن الحرفيّة، من خطورة إنجماد على المقدّس، أي أن يبقى وجه يسوع ثابتًا جامدًا تابعًا للماضي ولإحداثه، عاجزًا عن تلبية متطلبات المستقبل وتغيرات الدهر. لذا جاءَ كلّ جيلٍ بأطنان الكتابات التفسيريّة وآلاف الشروحات التي أوحتها حياته وأسفار الكتاب المقدّس، فيكتشف كلّ عاقلٍ ومثقّفٍ ضرورة التمييز بين حقيقةٍ وحقيقة. فكلّ إنسان واحد، لانّ الله واحد. هذا الكشف الكتابيّ الأول يردّده يسوع، ويدفعنا إليه بشدّة، معتبرًا أنّ كلّ واحد منا (حجرًا –طابوقًا) كبيرًا ضروريّة في صرح بناء العالم، وهذا يعني أنّ الحقيقة الواحدة يبنيها عدّة أشخاص، بل كلّ الأشخاص، وحدةُ الحقيقة تبنيها وحدة كلّ واحد، يسمع ويهضم السرّ المعروض أمامه، لهذا نقول أن يسوع، هو الحقيقة الواحدة، لأنه الوحيد الذي يدعونا إلى الولوج في هذا السرّ، إلى الاستعداد للمفاجأة والاكتشاف المذهل، لا لنقول شيئا جديدًا أو لنكرّر ما هو قديم، ولكن لنقول فقط ماذا نحن، أي أنّ كلّ واحدٍ منّا ” ماعون – صحن ” فيه أكثر  مما يتّسع له.
كلّ الشعوب استقبلت يسوع المسيح على اختلاف أنواعها، فهو ليس مشرقيًا ولا غربيّا ولا آسيويًا ولا أفريقيّا، يسوع جُعل ” لقيام وسقوط كثيرين ” لوقا2، يسوع زارع بلبلة، ومثير شغب، ومشعل نارٍ، يتغلغل في الثقافات والحضارات ليعطيها ما تعجزُ هي عن الاتيان به لوحدها. تساؤلاته تقلبنا رأسًا على عقب، لأنها عن الله وعن الإنسان وعن الحريّة والأخلاق. فمنذ أن قامَ فلاسفة طرحوا مسألة الحريّة أعتقد الناسُ أنّ المسألة تمّ حلها، وأنّ الآخر (القريب) هو حدّ لحريّتي. فمعيار كلّ القوانين هو حريّتي عندما تبدأ حرية الآخر.
الحريّة، ليست مجرّد استقلال عن الآخر، ولا انفصال وقطيعة وعزلة، فيسوع لم يهتمّ بتطوير مفهوم “الأنا” ، بل طوّر مفهوم “النحن”، طوّرالخروج عن الذات، وليس العودة إليها، علّمنا أن ننطلق من – إلى ، من الــ أنا القويّ إلى الآخر الضعيف، إلى الله.
سأل بيلاطس يسوع قبل آلامه وصلبه في داره: ما هو الحقّ؟ لكن يسوع لم يجب بشيءٍ وأنقطعَ المشهد يقول الإنجيل ..!
فالحقّ ليس نظريّة وجواب على شيءٍ مبهمٍ، بل هو (شخص حيّ)، يسوع هو ذاته الحقّ، وهذا ما لم يكن يعرفه بيلاطس. قمّة الحقيقة التي يكشفها يسوع هي أنّ الآخر يعنيني حتى إذا كنتُ أنا لا أعني شيئا بالنسبة له، حتى إذا كان لم يهتمّ بي، هذا هو اللا تماثل (Asymetrie)، هذا اللا تماثل عميق المعاني ومقرفٌ بعض الشيء لطبيعتنا، لكنه ضروريّ لكلّ علاقة، وإلا أصبحت علاقاتنا مجرّد حساب ومصالح ودهاء حكمة بشريّة، لولا هذه المجانيّة في حقيقة يسوع لما كان له حقيقة وكشف لله، ولأصبح واحدٌ منّا نحن الذين نلعبُ في حبّنا لبضعنا البعض لعبة المرايا المتقابلة، التي لا ينعكسُ فيها إلا اللاشيء (أعمى يقود أعمى فكلاهما يقعان في حفرةٍ..).
فيسوع هو حقيقة الله، لانه حرّ، ومحبّته مجانيّة، ويعمل على أسلوب المحبّة اللامشروطة وليس لديه أسلوب المماثلات والمقارنات البشريّة والعشائريّة والمصالح والمجاملات والعلاقات السطحيّة، بل هو كاشفٌ لعمق الإنسان ولوجه الله بالتمام
Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

عدي توما

1

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير