Pixabay, CC0, creative commons

ما هي الحريّة في الفكر المسيحيّ، وكيف أعيش حريّتي بحسب مشيئة الله؟

الحلقة الثامنة من القسم الثاني/ الحريّة

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

في نهاية هذه السلسلة من موضوعنا الذي حملَ إسم ” الحريّة“، طُرِحَت تساؤلات عديدة من بعض الأخوة والأصدقاء، وها نحنُ بدورنا نضعُ عنوانا لهذه التساؤلات ألا وهو/ تساؤلات معاصرة . وأكيدٌ أننا لن نُطيلَ كثيرًا في الجواب، وسيكون جوابنا أيضا بحسب كُبر وعمق السؤال.

الحريّة المسيحيّة هي بكلّ بساطة، ” حريّة أبناء الله“؛ بمعنى: هي إتّباع يسوع وسماع نداءه في أنّه هو ذاته: الحقّ والحياة والحريّة. وقالها يسوع أيضا: الحقّ سيُحرّركم. وبما أنّ الحقّ ليس قضيّة نظريّة ماورائيّة فلسفيّة، بل هو شخص حيٌّ، فيسوع هو الحقّ المُحرّر.

نحن مدعوين للحريّة الحقيقيّة، حريّة المسيح. لكن، عالمنا الحاضر بكلّ صراعاته وحروبه وآهاته ومشاكله، وشكله القبيح والشرّير، أعطانا صورة مشوّهة عن الحريّة بعكسها : ألا وهي ” التسيّب، الجحود، الإباحيّة “.

الحريّة في الفكر المسيحيّ، هي أن أعيش بحسب نظام موضوعٌ بعناية بعدَ أن عاش الخبرة والتجربة والعمق في الحياة. وهذا النظام هو نظامٌ إلهيّ – إنسانيّ، في ذات الوقت، وهو شخص يسوع المسيح. هي أن أكونَ سائرًا بحسب منطق وفلسفة المسيح. والمنطق أو الفلسفة، ليسا منطقَ وفلسفة العالم الذي هو تفلسُف وفوضى من دون أيّ رادع ٍ أو قانون أو شريعة إلهيّة، بل يسيرُ بحسب أهواء العالم وهلوساته وأوهامه؛ وهذا يجلبُ للحريّة المرض، فتصبحُ حريّة “ فوضويّة غير مفهومة “، أو ” عرجاء “. حريّة تسيرُ بـ ” نصف عين ” ، حريّة عوراء . حريّة لا تُبالي بالآخرين، سوى ذاتها وملذّاتها. فبينما حريّة المسيح الحقيقيّة هي حريّة الحبّ والخير والفرح والمسؤوليّة والرحمة، نرى في الطرف العالميّ الآخر، حريّة المزاج، الفوضى، والظلم، والظلام، والتسيّب والإنفلات وفي كثير من الأحيان، عدم الرحمة.

يعطينا الأب فرنسوا فاريون اليسوعيّ مفتاحا لعيش الحريّة، ألا وهو ” عيش الإنجيل ” فيقول:” عيشَ الإنجيل هو اختيار المسيح مربيّا للحريّة“.

فالإنجيلُ مقياسي إذن، وهو مقياس الحريّة. ولا يمكنني، في غفلةٍ من الفكر والتأمّل بالعالم، أن أعمل مقارنة بين الحريّة العالميّة (بحسب العالم) والحرية المسيحيّة، وأقولُ: إنّ الحريّة العالميّة ربّما هي الحريّة الحقيقيّة، وربّما الحريّة المسيحيّة فيها مبالغات كثيرة وأوهام (ومَن قالَ لنا ذلك … ومن  يكشف لي الحقيقة … أو ربما يكون ذلك صحيحًأ…. الخ). فليس المقياسُ قائمة تعليمات ونصائح وإرشادات ووصايا جامدة ، بل المقياسُ هو ” يسوع ” فقط لا  غير. وحياته وأعماله وأقواله، هي ذات كيانه، فلا إنفصالَ بين كيانه ورسالته. فهو والكيانُ واحدٌ. لإنه كيانٌ متجسّد في الحياة اليوميّة، وهو كيانٌ ناطق حيّ عامل.

فلا يمكن أن أعرفَ الحرية المسيحيّة إلا من يسوع ومن بشارته وكيفيّة عيشه الحياة اليوميّة وسماع أقواله، وتعاليمه، وتعاليم كنيسته. أن أميّز بين الصحيح والخاطئ من خلال الإنجيل والتعليم المسيحيّ الموحى به من قبل الروح القدس، الذي هو روح الحبّ والحريّة وليس وهمًا أو سرابًا أو هواءً فقط، كما يظنّ بعض المتفذلكينَ العالميّين!.

فلا يمكن أبدًا أن أفسّر وأشرحَ معنى حريّتي المسيحيّة لآخرينَ، لأن هذا الأمر لا يمكن، بل مستحيل ! الحرية المسيحيّة هي عيش المسيح ، عيشُ التعليم، عيش التطويبات، عيش الرحمة المسيحيّة، والمحبّة المسيحية،إنها ” خبرةٌ –  محنة – جهد “. وتجاوبًا لإرادة الله وتحقيقا لها، أن أقبلَ ما أعطاني إيّاه المسيح في إنجيله ومن خلال رسله وكنيسته. أن أتّحدَ بإرادة الله هو، كما قالَ خبيرُ البنوّة الوحيد : يسوع المسيح، أن أكونَ ملتصقا بالآب السماويّ وأكونُ إبنـــا له، وأدعوه ” أبي“، وأسيرُ بحسب منطقه ومقياسه، ” طعامي أن أعمل مشيئة الآب ….” يقولُ الربّ. ليست الإرادة الإلهية قوّة تنزل من فوق رأس يسوع، ولا من فوق رأسنا أيضا، بل هي ” الطعام لنا “، أن نكونَ نحنُ أبناء الله، أي أن نكونَ نحن إرادته في العالم. وهذه مسؤوليّة كبيرة جدّا، وضعها يسوع الإبن الأكبر لنا ( وربّما هذه النقطة بالذات، هي ما يدعونا إليها يسوع ونحنُ غافلونَ عنها، أو إلى الآن لم نستوعبها!) . وعلينا، إن أردنا أن نستوعبَ مشيئة الله والحريّة، أن نتّحد بها ونلتصق ونترك أمور كثيرة في العالم معقّدة ومريضة ومُشتّتة لفكرنا.

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

عدي توما

1

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير