Pixabay

تسلّل العصر الجديد في الكنيسة – الجزء الرابع والعشرون

رأي كاثوليكي في التنمية البشرية

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

في السنوات الأخيرة، إنتشرتْ  تقنياتٌ غريبة عن التقليد المسيحي، أُدخلت في بعض النشاطات الرعوية وفي بعض مناهج الجامعات ومعاهد التنشئة اللاهوتية، وتمّ تصنيفها من باب تطوير الذات والتنمية البشرية.

من أهمّ هذه التقنيات : السوفرولوجيSophrologie – البرمجة اللغوية العصبيةPNL- التنويم الإيحائيHypnose – التاسوعية – Ennéagramme تأمّل الوعي الكامل mindfulness ou méditation de pleine conscience – علم النفس عبر الشخصيpsychologie transpersonnelle- التفكير الإيجابيPensée positive

Psychologie positiveعلم النفس الإيجابي

وما يسمّى بالدورات النفسية – الروحيةSessions psycho spirituelles  بالرغم من الإشكاليات التي تطرحها مثل تضارب المساريْن  النفسي والروحي، عدم كفاءة المنشّطين والتباس هويتهم الإيمانية في أغلب الأحيان،  ما أدّى أيضًا إلى نفسَنة الإرشاد الروحي …

على أثر ذلك، ظهرت آراء عديدة لمراجع كاثوليكية مهمّة، تحفظّت وانتقدت ممارسة هذه التقنيات في الأوساط الكنسية، وأظهرت في دراساتها ما تطرحه هذه الممارسات من إشكاليات مختلفة وما قد تسبّبه من أضرار على الحياة الروحية المسيحية.

ما هو المقصود بالتنمية البشرية؟

توضح “راعوية المعتقدات الجديدة والإنتهاكات البدعوية”Pastorale des nouvelles croyances et derives sectaires على موقعها الإلكتروني[1]، ماهية التنمية البشرية وتقول أنّ مفهوم “التنمية البشرية” يختلف بحسب هويّة المروّجين لها. قد يكونون معالجين نفسيين أو اختصاصيين في  الموارد البشرية في البنوك والشركات (مثلاً المنظمّة الدولية للعمل Organisation Internationale du Travail). أو قد يكونون أتباعًا لتيّار العصر الجديد أو مدّربي حياة Life Coach. وتقول أنّ من بين أهدافها: معرفة الذات، تحفيز القدرات الكامنة، تحسين نوعية الحياة، تحقيق الطموحات والأحلام، إلخ. وتعتبر مجلة العلوم الإنسانية أنّ هدف تقنيات التنمية البشرية تحويل الذات لتتخلّص من بعض المظاهر المرَضية كالفوبيا، القلق، الإحباط، الخجل، … أو من أجل تحسين الأداء الوظيفي كالتواصل بشكلٍ أفضل، إدارة الوقت، زيادة الثقة بالنفس، …

وفي موضع آخر يسمّيها البعض “نموّاً شخصياً” هدفه تألّق وازدهار الشخص لتحقيق كلّ ما يتمناه. هي مسعى متعدّد الأوجه من أجل عيش حياة أفضل.

-“هي نموّ قدرة الإنسان، استقلاليته، توازنه وازدهاره”(Bernard Hevin et Jane Turner)

-“تضمّ التنمية البشرية كلّ المساعي التي تساعد التطوّر، النموّ، وتطوير القدرات البشرية بمعزل عن ما هو مرَضي. إذاً هي تتوّجه إلى كلّ الناس وليس فقط إلى المصابين بالعصاب” (Edmond Marc. Guide pratique des nouvelles Therapies, Ed Retz, Paris)

-“هي مصطلح جديد نسبياً، يُطبّق على كلّ ما يمكن استعماله تلقائيًا أو بواسطة تقنيات متنوّعة من أجل اقتناء نضوج نفسي أكبر وتطوير فرص الخلق والإبداع، تحرير الشخصية الحقيقية من الإهتمام بالمظاهر. تتوّجه التنمية البشرية حالياً إلى اعتبار البحث عن النضوج النفسي يتعلّق كذلك بالجسد والروح وبالتالي يؤدي الى وحدتهما.”(Psychologies.com)

باختصار، يمكننا القول أنّ التنمية البشرية ليست علاجًا نفسيًا، لكنّها مجموعة غير متناسقة من ممارسات وتيّارات فكرية متنوّعة. من أهدافها: تحسين معرفة الذات والمصالحة مع الذات وقبولها، التخلّص من صِغَر وكبَر النفس، تحفيز قدرات الإنسان وتنمية مواهبه من أجل تحقيق طموحاته. في الظاهر كلّها أمور مشروعة وهي قد تضمّ أفكاراً صحيحة من علم النفس والفلسفة أو بعض المبادئ الدينية المقبولة.

لكن نلاحظ أنّ تحت عنوان التنمية البشرية، يُروّج أحياناً أخرى لتعاليم باطنية إيزوتيريكة أو لفرضيات من العلوم الكاذبة يستغلّها دجّالون أو أتباع بدع. وهذا الأمر أصبح شائعًا لدرجة يصعب معه، ، تمييزه بوضوح أو إمكانية ضبطه بسهولة.

بدايةً وقبل التوّسع في هذا الموضوع، نوّد منعًا للإلتباس، أن نُشير إلى أنّه علينا التمييز بين أمريْن:

– “تنمية الموارد البشرية”Développement des Ressources Humaines  وهي برامج وضعتها العلوم الإنسانية في الغرب. تهتمّ بإدارة الوقت وحلّ النزاعات، فنّ الخطابة، مهارات العرض والتقديم والتواصل، تفعيل مهارات الإدارة والقيادة، تنمية المعارف الإنسانية من أجل تحفيز وتفعيل القدرات والكفاءات الذاتية، ومن أجل إنتاجية أفضل في الشركات والمصارف والمؤسّسات الإقتصادية والتربوية والإدارية إلخ. وهي علوم إنسانية تجمع مبادئ من علم النفس وعلم الإدارة وعلم الإجتماع والإحصاء ولا شك أنّها مفيدة وتساهم إيجابياً في الحياة العملية لدى المدراء والموظفين وفي دفع عجلة القطاعات المالية والإقتصادية. نشير هنا إلى أن هذه المهارات ترتكز على أسس علمية تجريبية يمكن قياسها.

–  و”حركة التنمية البشرية” (Human Potential Movement)  وهي برامج أنتجتها المدارس الفكرية المتأثّرة بالفلسفات الشرقية وما يعرف بالفكر الجديدNew Thought  و العصر الجديدNew Age  والفلسفة المتعالية Transcendentalisme، من أجل بلوغ الإنسان الكامل والمتحرّر كما في البوذية.  وقد تمّ فبركة وتعليب أغلبها في مراكز تابعة للعصر الجديد مثل مركز إيسالينEsalen  في كاليفورنيا.

وهي تستعمل تقنيات نفسية بديلة مثل الجستالتGestalt  ، البرمجة اللغوية العصبية PNL ، الكوتشينغ Coaching ، التاسوعية Enneagramme وعلاجات الطاقة مثل الريكيReiki  والبرانيك هيلينغ Pranic Healing والفانغ شويFeng shui  ، العلاج بخط الزمن وغيرها من أجل تمرير تعاليمها. ويتمّ التسريب أيضًا من خلالها لما يسمّى ب قانون الجذبLaw of Attraction  والتفكير الإيجابيPositive Thinking والطاقة الكونية المزعومة “شي ” أو “كي” وغيرها من التلفيقات.

وهذا النوع هو الذي نوّد تحديدًا طرح إشكالياته والتحذير منه من وجهة نظر الإيمان الكاثوليكي.

نوضح أنّه في تيّار العصر الجديد، تُعتمد هذه التقنيات من أجل أن يترقّى الإنسان في الوعي فيبلغ نوعًا من الكمال الشخصي البشري المزعوم الذي مثاله إنسانية ساقطة بمعزل عن شخص المسيح. بينما في الإيمان الرسولي، ينمو الإنسان إلى ملء قامة المسيح بالنعمة، ليبلغ إلى القداسة، أيّ الاتحاد بالمسيح قدّوس القدّيسين!

إذاً انتشرت برامج التدريب والإستشفاء البديل، وتمّ الخلط، بين برامج تنمية الموارد البشرية /وحركة التنمية البشرية، فأصبح متعذّرًا على الناس التمييز بينهما.

 نقرأ مثلًا على موقع يروّج لممارسات العصر الجديد عناوين مثل: برامج الطاقة البشرية، دورات تطوير الذات، دورات الهندسة النفسية، البرمجة اللغوية العصبية، إستراتيجيات العقل، دورات طاقة الألوان والمكان، العلاج بالفن، العلاج بخط الزمن[2]، أسرار البرادايم[3]، شيفرة الكون أو الأكاشاAkasha Records ، قانون الجذب، التنويم الذاتي، الماركة الشخصية  Personal Brand  وتسميات أخرى غريبة عجيبة مثل: تقنيات العقل في تخفيف الوزن، كوتشينغ للعلاقات العاطفية، FLP (Future life Progression)[4] وغيرها.

يتبع

[1] http://pncds72.free.fr/900_developpement_personnel.php

هذه خدمة رعوية موجودة في كل الأبرشيات الكاثوليكية في فرنسا يعين لها الاسقف مسؤولا في كل أبرشية وهي تعنى بتلقي الشكاوى الناتجة عن الانحرافات البدعوية والمعتقدات الروحية الجديدة، ومتابعتها وإعطاء الدعم والتوعية بشأنها.

[2]  أسّسه تاد جيمسTad James سنة 1988 وهو من تقنيات ونظريات البرمجة اللغوية العصبية، يعتمد خصوصا على عقيدة التقمص وعلى قانون الكارما، وهو محاولة التخلص من المشاعر السلبية وإعادة برمجة  للعقل الباطن وهو من الناحية الاخلاقية قد يشكل خطرًا متى استعمل لأغراض سلبية. وهو من البدائل النفسية غير المقبولة  في علم النفس.

[3]  يعرفون البرادايم هكذا: أشبه بنظّارة العقل واستراتيجية التعامل المربحة، يعمل على التغيير في النماذج المعيارية الفكرية للمتدرّب، ويبدأ بتنظيف الماضي من  التفكير السلبي، ثم يعمل على توسيع إطار الادراك بهدف التحكّم في الذات ومواجهة وحل المشاكل الصعبة،  وتصنيف الاشخاص، وتكوين شخصية جذابة وناجحة للتواصل.

[4]  وهي نوع من التصوّر الخلاق للمستقبلVisualisation crative

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

جيزل فرح طربيه

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير