Jesus on the Cross

ZENIT

كلمات يسوع السبع على الصليب (3)

أنا عطشان

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

المزموران 22 و69 هما أكثر استعمالًا في رواية الآلام، وهما يتحدَّثان عن العطش، وكأنَّه أمرُّ عذاب من عذاباتٍ البريء المضطَهَد: “كالخزف جفَّ حَلْقِي، ولساني لَصِقَ بفكَّيَّ” (مز 22/ 16). يُظهِر الإنجيليّ يوحنَّا عطش يسوع على الصَّليب لأنّه اكتمال للنُّبوءات، وتحقيقٌ وتتميمٌ للكتب المقدَّسة، ويَعْلَم يسوع أنّ العمل الَّذي أوكله إليه الآب هو في تمامه (يو 19/ 28).

في ذروة آلام يسوع وأمام صرخته “أنا عطشان”، لم يملك الإنسان سوى إسفنجةً “مرويّة خلًّا، فأدناها من فم يسوع، على عودٍ من زوفى، وبذلك تمّ المزمور القائل: “جعلوا في طعامي سمًّا وسقوني في عطشي خلًّا” (مز 69/ 22). وعندما ذاق يسوع الخلّ قال: “لقد تَمَّ” (يو 19/ 28). أعطوه شرابًا مخدِّرًا كان الجنود يعطونه لمن هم في حالة مشابِهة، فرفض يسوع أن يأخذه كي يبقى في وَعيِه، يريد أن يتحمَّل آلامه بوعي تامّ وفي حرّيَّة كاملة كي يكون الخلاص مكتملًا إلى التَّمام… في يسوع تكتمل آلام عبد الله المتألِّم (الرَّجل البارّ)، في قراءة نشيد الكرم لدى أشعيا يعطي- يُثمر الكرم الحصرم أي الخلّ الحامض، أي أنَّ شعب الله الغير الأمين لشريعة الربّ يُثمر المرارة كما الحصرم والخلّ (5/ 1- 7).

عطش يسوع على الصَّليب يردُّنا إلى لقائه على البئر مع السَّامريّة (يو 4/ 1-30). أعلن يسوع ذاته أنّه معطي الماء الحقيقيّ، الذي يصير في المؤمن نبع ماء يتفجّر حياة أبديّة، وفق قوله بحسب رؤيا يوحنّا: “من يعطش فليأتِ. ومن يريد فليأخذ ماء الحياة مجَّانًا” (22/ 17). هذا الماء الدَّفّاق الذي يُفيضه يسوع في الإنسان يبدِّله ويحوّله ويخلقه مجدّدًا.

أمّا في آية عرس قانا الجليل (يو 2/ 1-11) فحوّل يسوع الماء إلى خمرٍ رمزًا إلى الدّم القربان، الَّذي أعطانا إيّاه في عشائه الأخير، وبَذَلَهُ (سُفِكَ) على الصَّليب لمغفرة الخطايا ولفداء الكثيرين (بمعنى الكثرة)، هذا الدّم المهراق هو فعل حبّ وخلاصٍ لا متناهٍ!

عطش يسوع على الصَّليب إلى شعبه الحقّ الأمين، كي يعلّم الشَّعب أن يعطش بدوره إليه. عطش يسوع إلى “الوفاء” وهو الذي “طاف يعمل الخير إلى كلّ أحد” (أع 10/ 38) تركه الجميع ولم يبقَ أحدٌ سوى مريم أمّه وبعض النّسوة ويوحنَّا كاتب الإنجيل الرّابع الذي شَهِدَ على آلام يسوع. عطش يسوع إلى “إنصاف البريء” وإعلان الحقّ والعدل، وهو معلّق بوحشيَّة وقساوة على الصّليب كبارٍّ متألِّم وصدِّيق الله. عطش يسوع إلى “الحبّ” بين البشر، وقد شاهد من أعلى الصّليب قساوة الإنسان ووحشيّته! يسوع عطشان إلى مجد الله في شعبه وإلى خلاص العالم. يسوع عطشان إلى مجيئنا إليه، أي أن نستقي منه مياهًا بفرح ينابيع الخلاص. ألا نردّد دومًا “كما يشتاق الأيِّل إلى مجاري المياه هكذا تشتاق نفسي إليك يا ألله” (مز 42/ 1)؟

قال يسوع على الصَّليب “أنا عطشان”، إفتقر يسوع، أصبح عطشانًا، وهو النَّبع الَّذي يروي العالم من المياه العذبة، من الخلاص. إفتقر كي يُغنينا (2 كور 8/ 9).

أخواتي إخوتي، على كلّ منّا أنْ يملأ إسفنجةً من الإيمان، والوفاء، وإنصافِ البريء، والحقّ، والعدل، والحبّ، والرّحمة، والسّلام، ويُدنيها من فم يسوع، ليسمعه يقول “لقد تمّ!”. لقد حقّق يسوع بنفسه كلّ ما يساعد الإنسان على الأرض؛ بقي على الإنسان أن يقبل بحرّيتّه هذا الخلاص في حياته ويحقّقه في تصرّفاته إن على مستوى عائلته أو عمله ومجتمعه وعالمه…

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

الأب شربل رعد

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير