bible - Pixabay - CC0

Bible

هل المسيحيّة تتفلسف في الحياة الروحيّة؟ (4)

الجزء الرابع من سلسلة المقالات حول الفلسفة الروحية

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

في مقالنا السابق، تناولنا روحانيّة الكنيسة الأولى التي تنقسم إلى مرحلتي الآباء الرسوليّين، ومن ثم الحياة المسيحيّة. أمّا في هذه المقالة والمقالات اللاحقة، فسنتكلّم عن الحياة النسكيّة في الشرق والغرب وكيفيّة تطوّرها. بدأت الحياة الرهبانيّة النسكيّة في نهاية القرن الثالث نتيجة لجهود المسيحيّين الزاهدين التي بذلوها لكي يعيشوا حياةً أكثر كمالاً. وعلى الرغم من احتمالية تشكيلها لحالة حياةٍ مميّزة في الكنيسة، إلا أنها كانت في البداية طريقة حياةٍ متاحة لأيّ مسيحيّ يريد أن يشهد شهادةً صادقة على تعليم المسيح.

بدأت الحركة الرهبانيّة النسكيّة بهدوءٍ شديد، حتّى إنّ المؤرّخين يعجزون عن تحديد انطلاقها بدقّة، كما ولم  تُجرى دراسة جادّة في هذا الموضوع حتّى العام 1930. ومع ذلك، يبدو أنّ هناك صلة بين نهاية اضطهاد الكنيسة وازدهار الزهد الذي  كان مقدّمةً للحركة الرهبانيّة النسكيّة. فبحسب فينيلون Fénelon: “ولّد الإضطهاد عددًا من المتوحّدين أقلّ ممّا ولّده السلام وانتصار الكنيسة. كان المسيحيون الّذين يعارضون رغد العيش يخشون أن يضلّل السلام الحواسّ أكثر من تضليل وحشيّة المستبدّين”. تجدر الإشارة بأننا في مقالتنا هذه والتي قبل نستند على المرجع التالي: “تاريخ الرُّوحيانيى المسيحية في التقليد الكاثوليكيّ”. سنتناول في هذا القسم الحياة الرهبانيّة والنسكيّة في الشرق، وخاصةً مسألة العذارى المسيحيّات الناسكات.

في بداية القرن الثاني، أشير إلى زهّادٍ يعيشون التعفّف حيث يبدو أنّ الكنيسة وافقت على حالة العذريّة، ونالت هذه الحالة إكرام المؤمنين. وقد تكلّم كلّ من القدّيسين إقليمنضُس الرومانيّ وإغناطيوس الإنطاكيّ على رجالٍ ونساءَ مسيحيّين اعتنقوا حياة العزوبيّة، والغاية الأولى منها في نظرهما هي الإقتداء بالمسيح من هذه الناحية.

بداية، اعتاد هؤلاء المسيحيون أن يظلّوا في منازلهم ويعيشوا مع عائلاتهم ويشاركوا في الحياة الجماعية للكنيسة المحلّيّة. نظمّوا أنفسهم في بعض الأحيان في مجموعات شبيهة بالأخويّات أو الرهبنة الثالثة. ومع الوقت، وضعت الكنيسة لهم قوانين وأباحت لهم نذر النذور أمام الأسقف. لذلك، ومع الوقت، أصبحت تُعدّ محرومة وأثمة تلك التي تتزوّج، كما أُقرّ في بعض المجامع مثال مجمع إلفيرا الإسبانيّ (306)، ذلك لأنّه هذه المكرّسات قد تزوجن المسيح.

فرضت التشريعات الكنسيّة على العذارى نظام صلوات يوميّة وتلاوة المزامير ليلاً بالإضافة إلى عدم تمكنهن من مغادرة بيوتهنّ إلاّ للضرورة. وكان نظام الصوم قاسيًا ويدوم طوال السنة، ولكن أعطيت استثناءات لأسباب صحّيّة. تألّف طعامهن من وجبة واحدة يوميًا عبارة عن خبز وخضار، وتسبقها الصلوات المناسبة وتليها. وفي ما يخصّ أعمال الرحمة، كنّ يُشجعّن أن يشاركن طعامهنّ مع الفقراء، هذا الطعام البسيط، وأن يزُرن المرضى، وأن ينمّين كلّ أعمال الرحمة التي تلائم حالتهنّ الزهدية في الحياة. في بداية هذه الحياة كان الرجّال العزّاب يشاركون العذارى السكن ليحموهنّ وليؤمّنوا احتياجاتهنّ الروحيّة. وبسبب بعض المشاكل التي حدثت، هبّت الكنيسة لحماية فضيلة العذارى المكرّسات، ولضمان أمانتهنّ لتعهدهنّ. بالتالي، أنشأت تشريعات  ساهمت بدورها مساهمة جمّة في نموّ الجماعات النسكيّة الحقيقيّة للعذارى المكرّسات، وفي إقرار الكنيسة بأن الحياة الرهبانيّة هي بالفعل حياة مميّزَة.

يتبع

للجزء الثالث من المقالة، أنقر هنا:

هل المسيحيّة تتفلسف في الحياة الروحيّة؟

للجزء الثاني:

هل المسيحيّة تتفلسف في الحياة الروحيّة؟

للجزء الأوّل:

هل المسيحيّة تتفلسف في الحياة الروحيّة؟

 

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

سليمان فرنجيه

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير