روحانية فصحية للعمل الرعائي اليوم (4)

3. 2. عمل راعويّ مَرويٌّ من ينبوع سرّ الفصح الإلهيّ

Share this Entry

بقلم الأب د. سميح رعد

        روما، الأربعاء 29 أغسطس 2012 (ZENIT.org). – لا نحتاج نحن الشرقيين إلى كثير عناء لفهم سرائر الفصح الإلهيّ ولعيشه، فكنيستنا الشرقيّة مجبولة بخميره. نحن قياميّون. لاهوتنا كلّه قياميّ. لا نتربى، لا على الألم ولا على الإماتات ولا على ما شاكلها من ألوان الروحانيّات. فصحيّون حتى الصميم. حتى في لبّ الجمعة العظيمة نخلع عنّا الرداء القاتم ونرتدي ألوان بهجة القيامة… وفي موت أعزّائنا لا نصرخ إلاَّ برجاء: “المسيح قام… حقًّا قام!”

        من سرّ الفصح هذا انبعثت الرسالة في الكنيسة: “اذهبي وقولي لإخوتي…” (يو 20: 18) تستسرُّ كلّ القيم المسيحيّة خلف هذا السّرّ الإلهيّ. الفصح هو سرّ الأسرار، ومبعث كلّ عمل خلاصيّ. يعتمد تأوين هذا السّرّ الفصحيّ في عملنا الرعائيّ على الحضور الحيّ والفاعل والخلاصيّ للمسيح في كنيسته. قد يبدو هذا الكلام نظريًّا عندما نغرق في الحاجات الملحّة للعمل الراعويّ. ولكن المسيح القائم، المشارك الآب في أزليته، حاضر في قيامته بتاريخنا البشريّ، هو الذي انخرط في طبيعتنا الهشّة وشاركنا فيها، لذلك، يمكن أن “يفصح” ويُثَمِّرَ عملنا الرعائيّ، مؤكّدين فعل الروح القدس المُخْصِب أبدًا في كنيسته. بدون سرّ الفصح هذا رجاؤنا باطل وعملنا عديم الجدوى.

        لنحاول أن نُدْخِلَ من جديد سرائر هذا الفصح في عملنا الراعويّ، لِمَا يحمل من ذخائر في مفهوم العبور أو الانتقال. كلّ أوجه حياتنا مطبوعة بصور العبور والانتقال والتغيُّر. يمكننا إعادة قراءة عملنا الراعويّ التدبيريّ من خلال جذور القيم اللاهوتيّة للعبور.

        إذا غصنا في جذور المفهوم الكتابي للعبور في صورته الأولى، لوجدنا قيمًا أساسيّة مهمّة. ماذا تقول الصورة الأولى في سفر الخروج؟ -“وَعِنْدَمَا تَدْخُلُونَ الأَرْضَ الَّتِي وَعَدَ الرَّبُّ أَنْ يَهَبَهَا لَكُمْ، فَإِنَّكُمْ تُمَارِسُونَ هَذِهِ الْفَرِيضَةَ. وَيَكُونُ حِينَ يَسْأَلُكُمْ أَبْنَاؤُكُمْ: مَاذَا تَعْنِي هَذِهِ الْفَرِيضَةُ لَكُمْ؟ تُجِيبُونَهُمْ آنَئِذٍ: ’إِنَّهَا ذَبِيحَةُ فِصْحٍ لِلرَّبِّ الَّذِي عَبَرَ عَنْ بُيُوتِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي مِصْرَ عِنْدَمَا أَهْلَكَ الْمِصْرِيِّينَ، وَأَنْقَذَ بُيُوتَنَا‘. فَحَنَى الشَّعْبُ رُؤُوسَهُمْ سَاجِدِينَ.” (خروج 12: 25 – 27)

        هذه هي الصورة الأولى: فِصْحُ الرب هو الذي عبر تاركًا بيوت بني إسرائيل منجيًّا إياهم، منقذًا البيوت وأهلها… في قلب الألم والموت بَرَقَ ضياء الخلاص.

        الصورة النهائيّة هي “العهد الجديد”: فصحنا المسيح، فصح عهد الرب الجديد، يدخل في هذا الفهم العبوريّ، هو عبور من الموت إلى الحياة. فقيامة السيِّد بعد موته، هي مفتاح معنى حياتنا وقيامتنا. قيامة السيّد هي عبورنا نحن من الموت إلى الحياة. كتلاميذ في هذا الزمن الحاضر نعيش بهجة القيامة وسط مصائب وآلام الجمعة المقدَّس معتبرين إياها مرحلة استثنائية. فنحن نعيش ليترجيا الجمعة العظيمة في يوم واحد، استثنائيًّا، ولكننا نعيِّد الفصح خمسين يومًا وكل أحد على مدار السنة.

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير