Pontifical College of Theology 'St. Bonaventure' or 'Seraphicum'

WIKIMEDIA COMMONS

ليس الإنسان نفسا تجسّدت مؤقتا في جسم ، بل الإنسان جسد حيّ

أمامَ الموت والقيامة

Share this Entry

في تصوّراتنا الشائعة ، الموسومة بثنائيّة متأصّلة ، يُعرّف الإنسان مـــُركّبا من نفس ٍ وجسد ٍ سيفكّكه الموت تماما ؛ فأين هذه النظرة من وجهة نظر الكتاب المقدّس الحسّاسة جدّا إلى وحدة الإنسان بقلبه ولسانه ويديه ؟ يجب على الأقل تبيان الآفاق التي تــــُفتَح ، قبل تقديم بضعة مراجع إنجيليّة عن موت ويسوع وقيامته.

في الواقع ، الإنسان في الكتاب المقدّس كلٌّ واحدٌ لا يقسمه حتى الموت نفسه ؛ لأن الكتاب المقدس ينظر إلى الموت كــ ” مرور من الكائن في الحياة ” ، إلى ” الكائن بدون الحياة ” . إنه ليس إنفصال النفس الخالدة عن الجسد الفاني ، بل هو فقدان أيّ حيويّة في مقرّ الأموات . المتوفّى أو الجثّة لم يعد ” النفس الحيّة ” التي وجِدَت بفضل نفخة الله ” باليونانيّة Pneuma وبالعبرانيّة Ruah ؛ هذه النفخة تركته الآن لكي تعود إلى الله الذي منه أتت . لذلك هو الله أيضا مَن يمكنه أن يوقظ أو يقيم من بين الأموات . هكذا يُنظَر إلى الموت في العهد الجديد بسياق القيامة ، وليس الخلود.

يقول بيير مورلون بيرنير اليسوعيّ ( وهو من معهد نور الحياة في بروكسل ، يعمل على تكوين معلّمي التعليم المسيحيّ المحترفين من القارّات الخمس )  : في منظور الكتاب المقدّس ، ليس الإنسان نفسًا تجسّدت مؤقّتا في جسم ، بل الإنسان جسد حيّ ، جسد يعيش ” ليس : الإنسان له جسد ، بل : الإنسان هو جسد”.

الموت الطبيعيّ هو إحباطٌ كامل لوجود ٍ إنسانيّ بدون مبادرة الله الخلاصيّة . إذا تكلّمنا بمنطق ٍبشريّ ، فالموت ضيقٌ مزمن ، إذ يلغي شكلَ الوجود الوحيد الذي نعرفه . ليس الموت مأساة من بين المآسي ، بل هو المأساة التامّة التي لا عودة منها ، المأساة التي يمكننا القول إنها مطلقة . وفرنسوا فاريون يصفه بأنه ، من الوجهة الإنسانيّة ، هو مصيبة وحجر عثرة ، هو المأساة بالتعريف ، فإنّ الموت يدمّر وجود الإنسان في أصله . وفي رأي البير كامو  الموت ” سخافة ” .  ويقول البابا بنديكتوس السادس عشر في كتابه (الإسختولوجيا – الموت والحياة الأبديّة ) ” الموت حاضرٌ بصفة كونه بطلانَ وجود ٍ فارغ يؤدّي إلى شبه حياة ، حاضرٌ بصفة كونه مسيرة الإنحلال الطبيعيّة التي تعبر الحياة ، والتي يشعر بها الإنسان في المرض ، وتنتهي في الموت الطبيعيّ”.

عند ساعة الموت ، يتوقّف القلب عن النبض نهائيّا . إنه العضو الطبيعيّ بالتأكيد ولكنه ايضا مركز الشخصيّة الواعي الحرّ ؛ ويكفّ اللسان عن التعبير عن ذاته ويـــُقفَل الفمّ ، بذلك يتوارى عالم التواصل الكلاميّ ؛ وتكفّ اليدان عن الحركة والعمل وتتصلّبان . لقد زال نهائيّا كلّ تأثير الإنسان وكلّ قوّة عمله .ولكن عندما يُنظَر إلى الموت مواجهةً هكذا ، بدون تزوير ظرف الإنسان المأساويّ ، فإنه أيضا يمكن القياس إلى أيّ حدّ يكون الوعد بالقيامة حدثا وبشارة حسنة : قيامة ، أي حياة أخرى ، ما بعد الموت ، إنسانيّة تماما ، بفضل تدخّل الإله الحيّ.

قلبٌ جديد يُقدّم إلينا ، على نحو ٍ لا يمكن وصفه بطبيعة الحال (إنه بالتأكيد أنا ، لكنه تغيّر : 1 كور 15 : 42 – 44 ) ، لسانٌ جديد وكلمة جديدة نُعطاهما حقّا ” هكذا تكلّم يسوع المسيح القائم مع خاصّته ؛ يدان جديدتان نُعطاهُما ، مع قدرة جديدة للعمل ، ” حتى تبتلعَ الحياة ما هو زائل ” (2 كور 5 : 4 ) . لم يكن في رؤية الكتاب المقدّس بأيّ وقت ٍ من الأوقات تحطيمٌ للإنسان . فالمصير الذي  ينتظرنا لا يستطيع أن يحطّمنا ، حتى لو التَقَطَنا ليوم واحد.

ويقول هنا بيير مورلون اليسوعيّ :”  بفضل ٍ من الله ، كما نرى في يسوع المسيح الذي هو ” البدء والبكر من بين الأموات ” (قول 1 : 18 ، أيضا 1 قور 15 : 20 ) ، يؤدّي الموت بكلّ واحد إلى قيامته الشخصيّة . فمصير هذا الإله يحوّلنا بأسرنا. يموت الإنسان بقلبه ولسانه ويديه ، وهو الإنسان ذاته الذي يُقيمه الله ، ولكن على وجه ٍ آخر ، وبشكل ٍ لا يوصف بالتأكيد  ، سوى للقول إنّ لديه قلبًا ولسانا ويدين .  الله وحده يستطيع أن يجعل موتنا البشريّ لا نقطة النهاية بل عتبة مرحلة التحوّل إلى حياة لا تنتهي معه.

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير