عظة الأب الأقدس بندكتس السادس عشر لراحة أنفس الكرادلة والأساقفة الراقدين بالرب

Share this Entry

الفاتيكان، 6 نوفمبر 2007 (ZENIT.org). – ننشر في ما يلي العظة التي ألقاها بندكتس السادس عشر صباح الإثنين 5 نوفمبر 2007 في البازيليك الفاتيكانية، أثناء الاحتفال بالقداس الإلهي لراحة أنفس الكرادلة والأساقفة الراقدين بالرب.

* * *

أيها الإخوة الأجلاء!

بعد أن ذكرنا كل الموتى المؤمنين في ذكراهم الليتورجية، نلتقي، بحسب عادة هذه البازيليك الفاتيكانية، لكي نقدم الذبيحة الإلهية لراحة أنفس الكرادلة والأساقفة الذين دعاهم الرب فتركوا هذا العالم هذه السنة. بعطف أخوي أذكر أسماء الكرادلة الراحلين: سالفاتوري بابالاردو، فريديريك أستونزابي بامونغوابي، أنطونيو ماريا خافييري، أنجلو فليتشي، جان-ماري لوستيجيه، إدوار غانيون، آدم كوسلوفسكي، و روزاليو خوسيه كاستيلو لارا.

وإذ نفكر بشخصية وخدمة كل منهم، حتى ولو في أسى الفراق، نرفع إلى الله الشكران المحسوس لأجل الهبة التي وهبها الله للكنيسة من خلالهم، ومن أجل كل الخير الذي تمكنوا القيام به بعون الله.

وبالشكل عينه، نوكل إلى الآب الأزلي البطاركة، رؤساء الأساقفة، والأساقفة الراحلين، معبرين لهم أيضًا عن عرفاننا باسم كامل الجماعة الكاثوليكية.

إن صلاة الكنيسة من أجل راحة النفوس، “تتكل”، إذا جاز التعبير، على صلاة يسوع نفسه، التي سمعناها في النص الإنجيلي: “يا أَبَتِ، إِنَّ الَّذينَ وهَبتَهم لي أُريدُ أَن يَكونوا معي حَيثُ أَكون” (يو 17، 24).

يشير يسوع إلى تلاميذه، وبالأخص الرسل، الذين هم معه في العشاء الأخير. ولكن صلاة الرب تمتد إلى جميع التلاميذ في كل الأزمنة. فقبل ذلك بقليل قال يسوع: “لا أَدْعو لَهم وَحدَهم بل أَدْعو أَيضاً لِلَّذينَ يُؤمِنونَ بي عن كلامِهم” (يو 17، 20).

وإذا طلب يسوع حينها “أن يكونوا واحدًا… حتى يؤمن العالم” (21)، هنا يمكننا بالشكل عينه أن نفهم أنهم يطلب إلى الآب أن يكون جميع تلاميذه الذين ماتوا وعليهم ختم الإيمان، معه في منازل المجد الأبدي.

“هؤلاء الذين وهبتهم لي”: هذه هي صفة جميلة للمسيحي بحد ذاته، ولكن يمكننا أن نطبقها بشكل خاص على الذين اختارهم الله من بين المؤمنين لكي يكرسهم لاتباع ابنه عن كثب.

على ضوء كلمات الرب هذه، يذهب فكرنا بشكل خاص في هذه اللحظة إلى الإخوة الأجلاء الذين نقدم لأجلهم هذه الافخارستيا. هم الرجال الذين “وهبهم” الآب للمسيح. لقد أخذهم من العالم، ذلك “العالم”، الذي “لم يعرفه” (يو 17، 25)، ودعاهم لكي يكونوا أصدقاء يسوع. كانت هذه النعمة الأثمن في كل حياتهم. كانوا بالطبع رجالاً ذوي خصائص مختلفة، إن لتاريخهم الشخصي، أو للخدمة التي مارسوها؛ لمنهم جميعًا تشاركوا بالشيء الأهم: الصداقة مع الرب يسوع. لقد تلقوا المسيح كنصيبهم على هذه الأرض، ككهنة، والآن، ما وراء الموت، يتقاسمون في السماء هذا “الِميراثٍ الذي لا يقبل اِلفَسادِ والرَّجاسَةِ والذُّبول” (1 بط 1، 4).

خلال وجودهم الأرضي، عرفهم يسوع باسم الله، وأدخلهم إلى المشاركة في محبة الثالوث الأقدس. لقد تغلغلت فيهم محبة الآب للابن، وهكذا أقام شخص الابن نفسه، بنعمة الروح القدس، أقام في كل منهم (راجع يو 17، 26): إنها خبرة شركة إلهية تتوق بطبيعتها إلى الإحاطة بالوجود بأكمله، لكي تجعله متجليًا وتعده لمجد الحياة الأبدية.

إنه أمر معزٍ ومفيد، أن نتأمل بثقة يسوع نحو أبيه، خلال الصلاة لراحة أنفس الموتى، وذلك لكي نستسلم إليه ونتركه يغمرنا بالنور الصافي الذي يصدر عن  هذا الاستسلام التام الذي يعيشه الابن نحو إرادة “أبّا” أبيه.

يعرف يسوع أن الآب هو دومًا معه (راجع يو 8، 29)؛ وأنه واحد معه (راجع يو 10، 30). يعرف أن موته يجب أن يكون “معمودية”، أي “غطاس” في محبة الله (راجع لو 12، 50)، ويذهب لملاقاته وملؤه ثقة بأن الآب سيحقق فيه النبوءة القديمة التي سمعناها اليوم في القراءة الأولى: “بَعدَ يَومَينِ يُحْيينا وفي اليَومِ الثَّالِثِ يُقيمُنا فنَحْيا أَمامَه” (هو 6، 2). تشير هذه النبوءة من النبي هوشع إلى شعب إسرائيل وتعبر عن الثقة بمعونة الرب: ثقة خانها الشعب أحيانًا، للأسف، بسبب عدم ثباته وسطحيته، وصولاً إلى استغلال الطيبة الإلهية.

 أما في شخص يسوع، فالمحبة نحو الله الآب تبلغ الكمال في الصدق والأصالة والأمانة. يحمل يسوع على عاتقه كل واقع إسرائيل القديم ويكمله. يتركز “نحن” شعب إسرائيل في “أنا” يسوع، وبشكل خاص في إعلان الآلام والموت والقيامة، عندما يكشف يسوع لتلاميذه ما ينتظره في أورشليم: سيرفض من الرؤساء، ويُلقى القبض عليه، ويحكم عليه بالموت ويصلب، واليوم الثالث يقوم (راجع متى 16، 21).

 لقد ورثنا ثقة يسوع الفريدة هذه من خلال هبة الروح القدس للكنيسة، والتي دخلنا في شركتها من خلال سر العماد. يصبح “أنا” يسوع “نحن” جديد، “نحن” كنيسته هو، عندما يتم تسليمه إلى الذين صاروا جسده عبر المعمودية. ويتقوى هذا التطابق في من يدعوهم الرب إلى دعوة خاصة، ويجعلهم مطابقين له عبر الدرجات المقدسة.

 لقد وضع مزمور القراءات على شفاهنا شوق اللاوي المضطرم، الذي يتواجد بعيدًا عن أورشليم، ويتوق أن يعود إليها لكي يقف من جديد أمام حضرة الله (راجع مز 31، 1- 3). “ظَمِئَت نَفْسي إِلى الله، إِلى الإِلهِ الحَيّ متى آتي وأَحضُرُ أَمامَ الله؟”(راجع مز 4142، 3). يتضمن هذا العطش حقيقةً لا تخون، ورجاءً لا يخيب. هو عطش ينير السبيل نحو ينبوع الحياة، حتى في صميم أكثر الليالي ظلامًا، كما رنم بشكل فاتن القديس يوحنا الصليب.

 يفسح المرنم الم
جال لأنين النفس، ولكن في محور وفي ختام نشيده الرائع، يضع لازمة مفعمة ثقة: “لِماذا تَكتَئِبينَ يا نَفْسي وعلَيَّ تنوحين؟ إِرتَجي اللهَ فإِنِّي سأَعودُ أَحمَدُه وهو خَلاصُ وَجْهي وإلهي” (6).

 على ضوء المسيح وسره الفصحي، تكشف هذه الكلمات كل حقيقتها الرائعة: ولا حتى الموت يستطيع أن يبطل رجاء المؤمن، لأن المسيح دخل لأجلنا في مقدس السماء، ويريد أن يقودنا إلى هناك، بعد أن يكون قد أعد لنا مكانًا (راجع يو 14، 1- 3).

 بهذا الإيمان والرجاء تلا إخوتنا الراقدون هذا المزمور مرات لا تحصى. ككهنة، اختبروا كل وقعه الوجودي، وحملوا على عاتقهم ادعاءات وسخرية من يقول للمؤمنين في زمن التجربة: “أين إلهك؟”.

 الآن، في ختام منفاهم الأرضي، وصلوا إلى الوطن. وعبر اتباعهم للسبيل التي فتحها لهم الرب القائم، لم يدخلوا في هيكل مصنوع بأيدي بشر، بل دخلوا السماء عينها (راجع عب 9، 24).

 هناك، مع الطوباوية مريم العذراء، وكل القديسين، يستطيعون أن يتأملوا أخيرًا – هذه هي صلاتنا – وجه الله وأن يرنموا تسابيحه إلى الأبد. آمين!

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير