البطريرك صفير: "المال خادم مطيع، ولكنه سيد ظالم"

في كلمته خلال افتتاح دورة مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك الـ 41

Share this Entry

بكركي، 13 نوفمبر 2007 (zenit.org). –  عقد مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان دورته العادية الـ 41، بعنوان “الكنيسة والتمويل” في الصرح البطريركي في بكركي برئاسة رئيس المجلس البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير.

شارك في الدورة السفير البابوي في لبنان المونسنيور لويجي غاتي ممثلا قداسة البابا البابا بندكسس السادس عشر، بطريرك الروم المالكيين الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحام، بطريرك الارمن الكاثوليك نرسيس بيدروس التاسع عشر، بطريرك السريان الكاثوليك مار اغناطيوس بطرس عبد الاحد وعدد من المطارنة والرؤساء العامين والرئيسات العامات من مختلف الطوائف الكاثوليكية.

ننشر في ما يلي كلمة الافتتاح التي ألقاها البطريرك صفير:

موضوع دورتنا هذه السنة هو “الكنيسة والتمويل” ومواضيع ادارية متنوعة، وهو موضوع لا يخلو من صعوبة يقتضي ان تبقى الكنيسة حياله في موقع حذر. لا شك في ان الكنيسة في حاجة ماسة الى المال لتنهض بما يمليه عليها موقعها من موجبات لا يمكنها ان تقوم بها دون مال، سواء أكان ذلك مدارس او مستشفيات، أو مياتم، او ما سوى ذلك من مشاريع عامة تؤول الى خير الأفراد والجماعات. وهذا واجبها ودعوتها. والكنيسة منذ الأجيال الأولى لنشأتها كانت ولا تزال تعنى بالفقراء والمعاقين والمتخلفين. وعندما جاء السيد المسيح أحد الشبان الأغنياء يقول له: “يامعلم، أي صالح أعمل لأنال الحياة الأبدية؟ فأجاب السيد المسيح: “احفظ الوصايا” وعددها له.؟ فأجاب الشاب: قد حفظتها منذ صباي، فقال له المعلم الالهي: ان شئت ان تكون كاملا فاذهب وبع ما تملك وأعط الفقراء، فيكون لك كنز في السماء، وتعال اتبعني”، ويأتي بعد حادثة الشاب الغني، على التو قول السيد المسيح في خطر الغني فيقول: “يصعب علي الغني ان يدخل ملكوت الله”. وتفهم بعض القديسين ما في التعلق بالمال والغنى من مخاطر، ومن بينهم القديس جان بوسكو الذي كان في آخر النهار يلقي من الشباك ما فضل لديه من دراهم، تدليلا على الاتكال على عناية الله، التي توفر لطير السماء طعامها، على ما جاء في انجيل القديس متى على لسان المعلم الالهي: “انظروا الى طيور السماء، فهي لا تزرع ولا تحصد، ولا تخزن في الأهراء، وأبوكم السماوي يقوتها”. ويضيف: “ألستم أنتم بالحري أفضل منها؟”.

أجل لا بد من المال لقيام الحياة اليومية، ولكن التمسك به وتكديسه محبة به، يشكل خطرا . وقدما قيل: “المال خادم مطيع، ولكنه سيد ظالم”. وهناك مثل دارج يقول عمن يعرض كرامته للمهانة بدلا من الانفاق في سبيل حاجاته وهو “أهين فلسي ولا أهين نفسي”.

والعمل على ايجاد مصادر لتمويل المشاريع الكنسية أمر يستوجب الاهتمام، ما دمنا نعيش على الأرض. وللكنيسة أراض يجب احسان استثمارها، وممتلكات تجب ادراتها بحكمة وكفاية، ولها مشاريع يجب تأمين المال لها لكي تستمر وتزدهر، لذلك سيدور الحديث في دورتنا هذه عن نتائج عمل المتابعة والتنسيق بين المنظمات غير الحكومية، وصندوق دعم المدارس الكاثوليكية ووجوب تخصيص نسبة مئوية من مداخيل الأوقاف لمساعدة المحتاجين، ولا بد من صناديق استثمار، وادارة الأملاك ادارة جيدة، وغالبا ما تقع ادارة الأملاك الكنسية في محاذير يجب العمل على تلافيها، عن طريق تخصيص بعض رجال الاكليروس خاصة في الرهبانيات لتولي الادارة المالية لبعض المجموعات والادارات التي تعود الى الكنيسة. او على الأقل اسناد هذه المهمة الى رجال اختصاص ذوي كفاية، وخبرة طويلة، وصيت حسن، وضمير حي.

والمال لم يكن وسيلة للرسالة لدى رجال الاكليروس، فهو يشكل خطرا كبيرا، وكلام السيد المسيح واضح وصريح، وهو يقول: “لا يقدر أحد ان يعبد ربين؟ فاما ان يبغض الواحد ويحب الآخر، اويلازم الواحد ويرذل الآخر. لا تقدرون ان تعبدوا الله والمال”. لذلك تشدد القوانين الرهبانية على النذور الثلاثة وهي العفة والطاعة والفقر. وقدما قيل المال مادة الشهوات. ومن كان غنيا تكثر لديه الرغائب، جيدها وقبيحها، ويطلق الكثير من الفضائل وبخاصة التواضع، والتقشف، ونكران الذات. وقد ورد في كتاب على عهد الامير للكاتب المعروف فؤاد افرام البستاني طرفة لا بأس من التذكير بها، وهي انه كان في ساحة قصر الامير بشير بركة ماء، وكان الامير يدعو اليه بعض الشبان ليقوموا أمامه ببعض العاب فروسية منها القفز فوق البركة من طرف الى الطرف الآخر دون السقوط في الماء. وراح الشبان الواحد تلو الآخر يتبارون في القفز، ويسقط مجملهم في وسط البركة، الا احدهم وقد تفرد عنهم جميعا وقفز فوق البركة دون ان يسقط فيها، فدعاه الامير وقال له. فك الكمر، ففعل فاذا به يخفي صرة من الدراهم تحت الكمر. فقال له الامير، ارفع صرة المال وضعها هنا، واذهب الى القفز. وأطاع الفتى الأمير، فقفز لكنه سقط هذه المرة في وسط البركة.

والأمثولة واضحة وهي ان المال يولي الانسان قوة، وعجرفة، واعتزازا بالنفس، لذلك قال السيد المسيح ما قال عن المال، وواجب الزهد بالمال في الحياة الرهبانية من أوجب الواجبات. لكنه لا بد من المال في جميع مرافق الحياة. وسئل نابليون مرة: ماذا ينبغي عمله لربح الحرب؟، أجاب ثلاثة أشياء وهي: المال، المال والمال.

ولنذكر دائما ان المال وسيلة لقنية الحاجات التي لا بد منها لقوام الحياة، ولاطلاق المشاريع المفيدة، لكنه ليس معبودا لأنه غالبا ما يقوم مقام الله، والله لا يقوم مقامه شيء في الدنيا، تبارك اسمه الى دهر الدهور.

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير