special needs

p. Imad Twal

"كسر الحواجز وبناء الجسور" العمل مع الأشخاص ذوي الإعاقة

حتى وقت قريب، كانت الصورة النمطية في النظرة للأشخاص ذوي الإعاقة تتلخص في التركيز على موضوع الإعاقة أكثر من التركيز على الشخص ذاته كإنسان خلقه الله كباقي البشر ولكن قد يكون واحداً من الذين امتحنهم الله، فكان التعامل معه يرتكز على أساس […]

Share this Entry

حتى وقت قريب، كانت الصورة النمطية في النظرة للأشخاص ذوي الإعاقة تتلخص في التركيز على موضوع الإعاقة أكثر من التركيز على الشخص ذاته كإنسان خلقه الله كباقي البشر ولكن قد يكون واحداً من الذين امتحنهم الله، فكان التعامل معه يرتكز على أساس من الشفقة أكثر منه تفاعلاً إنسانياً أو تربوياً كشخص يمتلك القدرة على العطاء، فيتم تجاهل كفأته وإمكاناته وكأن الهدف يصبح منحصراً في تسليط الضوء على نقاط ضعفه، بينما يكمن الهدف الأسمى في اكتشاف مواهبه وتنمية قدراته وتوظيفها بالشكل الصحيح كغيره من البشر. من هنا، تم اعتماد مصطلح الأشخاص ذوي الإعاقة، أي الانتقال من الاهتمام الرعائي الى الاهتمام الحقوقي والقانوني.
في البداية، دعونا ننظر إلى أهم الأسباب التي تجعل العديد من الأشخاص لا يشعرون بالراحة في التعامل مع الأشخاص ذوي الإعاقة، على الأغلب يكمن السبب الرئيسي في شعورهم بالأسى والتعاطف مع ذوي الإعاقة واعتقادهم بأن هؤلاء الأشخاص يشعرون بالمرارة من إعاقاتهم، وفي الواقع فإن هذا الاعتقاد غير صحيح في كثير من الحالات، فالكثير من الأشخاص ذوي الإعاقة يشعرون بأن الإعاقة هي عبارة عن تجربة واختبار أغنت حياتهم وأثرتها، إذن فالمسؤولية هنا تقع على عاتقنا في أن نكسر الحواجز في داخلنا وليكن هذا شعارنا دائماً على ألا يكون شعاراً أجوف مفرغ إلّا من الكلمات والحروف دون إدراك لمعانيها ومراميها وواجباتنا اتجاههم واتجاه المعنيين بهم, لأنه شعار يرمي إلى كسر الحواجز وبناء الجسور من خلال إدراكنا لحقوقهم وواجباتنا, ذلك إذا كنا مقتنعين دينياً وإنسانياً وحقوقياً ووطنياً بأن الجميع متساوون ومن حق الجميع الاندماج في المجتمع. “يحثنا الإنجيل على أن نكون “قريبين” من الفقراء والمنبوذين، كي نمنحهم رجاءً ملموساً” (البابا فرنسيس)
لقد تم تضمين قانون حقوق الأشخاص المعوقين لبعض التعاريف الهادفة إلى الانتقال من النظرة الرعائية إلى النظرة الحقوقية كالشخص المعوق، والتمييز على أساس الإعاقة، والتجهيزات المعقولة، وفرص الوصول، والتأهيل وإعادة التأهيل، والتعليم الدامج، والحق في التنقل، والعمل، والحقوق الثقافية، والكرامة الشخصية، والرياضة والترويح، والمشاركة السياسية، وغيرها من الحقوق التي كفلها الدستور الأردني ونص عليها قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.
من هنا ينبغي علينا أن ندرك واجبنا الروحي والديني والاجتماعي والإنساني والوطني اتجاههم وأن الله كرسنا لنعمق إيماننا من خلالهم بالخدمة فهم أولاً وأخراً أشخاص، وكباقي البشر هم مختلفون، واختلافهم هنا يأتي من قضية إعاقتهم، والمهم هنا هو احترامهم وتقدير قدراتهم وأن تكون رؤيتنا أبعد وأعمق من مجرد النظر إلى إعاقتهم. وهنالك جملة اعجبت بها بالانجليزية تقول:
They are not persons with disabilities but, persons with other abilities.
إن تسمية المعاقين جاءت من وجودهم في عالم مُعيق يعزلهم عن المجتمع الذي يصعب عليه التعامل معهم غالباً دون تمييز، ما يؤثر على نفسيتهم، وهنا تكمن مسؤوليتنا، في إدراك هذه المصاعب والحواجز التي يواجهها الأشخاص ذوي الإعاقة عند انخراطهم في المجتمع، فنتمكن فيما بعد من العمل على جعل البيئة المحيطة ملائمة وتوفير التسهيلات المناسبة لهم وإزالة العوائق، ليكونوا قادرين على ممارسة دورهم في المجتمع كجزء من حقهم الطبيعي.
وكواجب إنساني أمام الله والإنسانية وحتى الوطنية المعاشة بات من الضروري فتح الأبواب كجزء لا يتجزأ من المجتمع لإيماننا أننا متساوون أمام الله، من خلال تجهيز البنية التحتية والمتمثلة بالشوارع والخدمات الصحية والمرافق في المدارس والفنادق والأماكن السياحية، إضافة إلى وسائل المواصلات الفقيرة والضعيفة، وإيلاء هذا الإنسان أهمية خاصة من قبل الجميع وخاصة من قبل الحكومة، وذلك بتأمين سبل العيش وإعادة الثقة لهؤلاء الناس للعيش دون تمييز، والأهم من ذلك علينا احترام هذا الإنسان احتراماً خاصاً، وأن نجعله يشعر بأن وجوده لا يشكل عبئاً على الدولة والأسرة معاً وأنه قادر على العطاء كباقي البشر.
لقد باتت الحاجة إلى بناء منهاج تربوي واضح وموثق لهم بلغة العصر ضرورياً, كما باتت الحاجة إلى إشراف علمي وتربوي على المراكز المنتشرة في مجتمع يسعى إلى إنسانية الإنسان ورفع كفاءة المجتمع بكل المقاييس والاتجاهات أمراً  مُلحاً، إذن هم بذلك بحاجة إلى إشراف علمي وتربوي مدروس يقوم على تلك المراكز من ناحية إنسانية وإدارية وتربوية، لا يكون ذلك إلا من خلال تبادل الخبرات ممن سبقوا بتجربتهم ودرسوا الواقع المعاش عن كثب بالتعامل معهم والعيش بينهم والإصغاء لهم والإقامة بينهم لساعات، واستنباط الحلول لقضاياهم من خلال التجربة المعاشة بينهم.
من المبهج أن نستذكر هنا بعض من عاشوا هذه التجربة فوضعوا نُصب أعينهم أن الأشخاص ذوي الإعاقة هم جزء لا يتجزأ من المجتمع وهم عطية من عند الله وسعوا قدر استطاعتهم لدمجهم في المجتمع والبيئة المحيطة، فكان لهم الدور الأكبر والبارز في تغيير النظرة لذوي الإعاقة من نظرة الشفقة والتعاطف إلى نظرة تقوم على المساواة والتفاعل الإنساني البحت، من هؤلاء الأشخاص لا بد أن نذكر جان فانييه الذي بدأ بجماعة الأرش مُستقبلاً شخصين بالغين معوقين عقلياً في سكن صغير بإقليم الواز الفرنسي، ثم نمت هذه الجماعة، وتأسست انطلاقاً منها جماعات أخرى في مختلف البلدان: كندا، الولايات المتحدة، ساحل العاج.
كما عُرف أيضاً عن البابا فرنسيس حُبة للأشخاص ذوي الإعاقة وسعيه المتواصل لتعزيز “ثقافة اللقاء” مع ذوي الإعاقة والتي تشجعهم على المشاركة الفعالة في المجتمع، وفي لفتة جذبت أنظار العالم أجمع أظهر البابا فرنسيس محبة المسيح لذوي الإعاقة عندما عانق “لفينيسيو الرجل المشوه” بشده وبنصف وجه فقبله وباركه.
لقد مثلوا بأعمالهم أنموذجاً في التفاعل مع الأشخاص ذوي الإعاقة بمحبة وإنسانية، فكانوا بمثابة صرخة لكسر الحواجز وفتح الأبواب، علنا نستطيع أن نحذو حذوهم فننال رضى ربنا ورضى الإنسانية، ونزرع فرحتهم بلفتاتنا لواقعهم المعاش.
أخيراً، ماذا سنقدم لهم؟ نقول، نحن نسمح لله عز وجل، ان يعمل من خلالنا، نحن نزرع الايمان والمحبة، نجعله حاضراً في الانسانية، نحن نجسد الله في البشرية من خلال خدمة بشر ضعفاء، نحن نعطي الله للآخرين، نعمل على ان محبة الله من خلال محبة القريب والوجدة من خلال العطاء، نضيء شمعة الانسانية، ننير الوطن، نفرغ ذواتنا لننشر الحب في العالم، لنزرع السلام،
عملنا لك يا رب فاقبل يا رب وبارك.

Share this Entry

الأب عماد طوال

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير