حياة الكاهن الروحية (3)

الكتاب المقدس

بقلم رئيس الأساقفة عصام يوحنا درويش*

استراليا، الخميس 14 يناير 2010 (Zenit.org). –.- يقضي الكاهن جزءا كبيرا من حياته ورسالته في إعلان كلمة الله والتبشير بها فهو منتدب ليعلم باسم المسيح وباسم الكنيسة وتعليمه هذا مرتبط بمعرفته الكتاب المقدس. إنّ هذه المهمة الأساسية في عمل الكاهن الروحي والرعوي لا تقوم فقط على شرح الكتاب المقدس فكلمة الله حياة وليست كلمات تُشرح “إنَّ كلامَ اللهِ حَيٌّ ناجِع، أمضى من كُلِّ سيفٍ ذي حَدّين”[1]. فقبل أن يكون الكاهن مبشرا وواعظا عليه أن يرتوي من كلام الله ويطلع على عمقِ قدرته وفعاليته: “إن البشارة بكلمة الله “هي قُدرَةُ اللهِ لخلاصِ كُلِّ من آمن”[2]. وحياة الكاهن تقوم أساسا على التأمل بكلمة الله، لذا فعليه أن يفتح باستمرار قلبه وعقله ليستقبل هذا الكلام في حياته ويصغي إليه ويتأمل فيه ويصليه ومن ثم يعمل على  نقله لأخواته وأخوته البشر، لأنه “يبشر بحكمة الله لا بحكمة الناس”[3].

لا يحصل الكاهن على حياة روحية عميقة بالتفكير والنظريات كما أنّ لا الأقوال ولا النشاطات تساعده على معرفة الله، إنّ ما يساعده حقًّا هو أن يحصر اهتماماته بكلام الله ويعيش طهارة القلب، فكلما صار نقيًا تدرك نفسه قصد الله في كتابه فتلتقي الكلمات المسيح الذي هو محور الكلمة وغايتها “ذاكَ الّذي رأيناه وسَمعناه نُبَشِّرُكم به”[4]. ففي كل كلمة من كلمات الكتاب المقدس كنوز تجعل الكاهن يرتشف من ينابيعها حياة روحية خصبة وتجعل للكلمات طعما آخر لأنها تكشف حب الله وحضوره في حياته وكلمّا صلّى الكلمات التي يقرأها وطرح جانبًا كل الاهتمامات الأخرى يشرق عليه وجه الله كما حدث لتلميذي عمّاوُس[5] اللذين عرفا الرب عند كسر الخبز بعد أن فسر لهما الكتاب وهو يسير معهما على الطريق .

في الليترجية البيزنطية يطلب الكاهن من الرب، له وللشعب المشترِك بالذبيحة الإلهية قبل قراءة الإنجيل المقدس قائلا: “أضئ قلوبنا بصافي نور معرفتك الإلهية وافتح عيون أذهاننا لتفهم تعاليمك الإنجيلية”؛ هذا يعني أن المقطع الذي نتلوه على مسامع الشعب هو رسالة خاصة، على الكاهن أن يترجمها في حياته إلى واقع ملموس قبل أن يطلب من الآخرين أن يعيشوها في حياتهم.

عندما يقرأ الكاهن الكتاب المقدس يواجه الرب ويضع نفسه في نقد ذاتي ليقوّم كل اعوجاج عنده ويصير يتمتع بفكر المسيح[6] الذي يبين له أخطاءه ويقّوم أفكاره وينفخ فيه روحه القدوس. الكاهن الذي يقرأ الكتاب يجب أن يشعر بأنه فقير دائم إلى الله، فارغ بدونه؛ والله من جهة أخرى، يغدق عليه روحه القدوس فيملأه قداسة وبرًّا. الدليل في خدمة الكهنة يوصي أن “يظلَّ الكاهن وفيًّا لكلمة الله وراسخا فيها، ليكون للمسيح تلميذا حقيقيا ويعرف الحقيقة”[7] لذلك على الكاهن أن يعتاد “على التعامل مع كلمة الله، وأن يقتنع بأن الكلمة التي يبشر بها ليست كلمته بل كلمة الله الذي أرسله”[8] والقديس بولس الرسول يوصي بأن نتمسك بكلام الله “ونحفظ الوديعة الكريمة بعون الروح القدس الذي حلَّ فينا”[9]

يصغي الكاهن كل يوم إلى الله الذي يتكلم إليه عبر قراءات من الكتب المقدسة في اللتيرجية فإذا ما فتح قلبه وعقله لسماع صوت الرب، يمكنه أن يتفوه في عظته بفرح وأمانة ما يمليه عليه الروح القدس. من المفيد جدا أن يتأمل الكاهن في الكتاب المقدس فهو عامل أساس في تنمية حياته الروحية فإذا ما ثبت كلام الرب فيه يثبت هو في الرب ويُثبّت معه كل الأخوة.

 

 

Share this Entry

[1]  عبر4/12

[2]  روم1/16

[3]  1كور 2/17-25

[4]  ذيو1/3

[5]  لو24/13-35

[6]  فيل 2/5

[7]  دليل في خدمة الكهنة وحياتهم، وثيقة صادرة عن مجمع الإكليروس 1994 رقم 54

[8]  وثيقة صادرة عن مجمع الإكليروس 19/3/1999

[9]  1 تيم1/14

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير