البطريرك غريغوريوس لحام: أقباط مصر ضحايا خلل اجتماعي وليس اضطهاد طائفي، وتفريغ الشرق من المسيحيين كارثة على المسيحيين والمسلمين معاً (1)

Share this Entry

في مقابلة خاصة مع زينيت

 

بقلم إميل أمين

القاهرة، الثلاثاء 26 يناير 2010 (zenit.org). – بناء الجدار الفاصل بين اسرائيل ومصر، الاعتداءات ضد الأقباط في مصر عشية عيد الميلاد، زيارة البابا الى اسرائيل والأردن خلال العام الماضي، هجرة المسيحيين من الشرق الأوسط وبخاصة من العراق، الحوار والإسلاموفوبيا، والسينودس من أجل الشرق الأوسط، هي من الأمور التي ناقشتها وكالة زينيت في هذه المقابلة مع  البطريرك غريغوريوس لحام، بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق والإسكندرية وأورشليم للروم الملكيين الكاثوليك

هناك سباق لبناء جدران فاصلة  بين الإسرائيليين والمصريين والفلسطينيين  في الآونة الأخيرة .. كيف تقرأون هذه الظاهرة ؟

 مثير جدا شأن الشرق الأوسط ، الجدران العنصرية تنهار حول العالم. جدار برلين بعد عقود من العزل والإبعاد  والإقصاء سقط ، وفي الشرق الأوسط تقام جدران عنصرية بين إسرائيل والضفة  وبين القطاع ومصر وبين إسرائيل ومصر ، هذه الجدران على  حقيقتها خارجية  لكنها نتيجة حتمية لجدران عنصرية  تنتصب  داخل النفوس، أضحى هناك مركب عدم ثقة بنى جدران نفسية  داخلية من الكراهية ورفض الأخر، والأكثر إثارة  في عالمنا المعاصر أن العولمة فيما أسقطت الجدران الخارجية بين البشر أقامت جدرانا داخلية من الخوف عبر انتهاك خصوصية الأخر  ما أدى الى  تنامي أشكال جديدة من العداء بين البشر، والعرب والإسرائيليون في مقدمتهم .

 زيارة البابا بندكتس السادس عشر الأخيرة  لإسرائيل والأردن، هل أفرزت أي ثمار أو نتائج تصالحية أم أنها كانت زيارة بروتوكولية أو حج روحي فقط ؟

 الزيارة عبرت عن اهتمام البابا بالشرق الأوسط ، وهي نتيجة اهتمام سابق من الدوائر الفاتيكانية بأحوال الشر ق الأوسط  وبقضاياه. مشاهد الزيارة كانت سلسلة من المودات الإنسانية ،  جلالة الملك عبد الله بن الحسين يستقبل قداسته بحب وترحاب ، البابا يقف في مسجد مستمعا لأدعية أسلامية ، تأسيس جامعة كاثوليكية  في الأردن ، هذه كلها ثمار  حدثت وقت اللقاء ، الزيارة  إذن نقطة وصول وهي كذلك نقطة انطلاق  جديدة في مسار   التلاقي  الإسلامي المسحي  في الشرق الأوسط ، والبابا رجل دولة معنوي  وحضوره بهذه المودة في العالمين العربي والإسلامي وجد تغطية إعلامية ايجابية عريضة حول العالم .

ما يجري في العراق للمسيحيين من تهجير طوعي أو قسري يلقي بظلال من الخوف .. كيف تقيمون هذه الإشكالية ؟

 الفوضى القائمة في العراق هي سبب الهجرة.  نعم كانت  هناك هجرات للأشوريين وبعض الكلدانيين والسريان من قبل ،  لكن    بعد الاحتلال والفوضى  والتعديات الحالية  تأثر واقع  المسيحيين في العراق بدرجة كبيرة  وبشكل بالغ ولهذا يصعب أن تقول لعراقي لا تهاجر  في ظل هذه الظروف .

والمؤسف أن مسلسل الهجرة أو التهجير  بدأ في لبنان  وسوريا ومصر والأردن  وفي كافة الربوع  العربية  حيث يوجد مسيحيون  ورغم أن الظاهرة ليست قصرا  على المسيحيين فقط إلا أن هجرة  هؤلاء تقود الى خوف  كبير لجهة تفريغ الشرق من المسيحيين العرب، مع العلم أن المسيحية ولدت مشرقية وانتشرت حول العالم من قبل الحواريين العرب في فلسطين .

ماذا لو خلا الشرق الأوسط والعالم العربي من مسيحييه دفعة واحدة .. كيف سيبدو المشهد ؟

 هذا السؤال يجيبنا عليه إخواننا المسلمون  ذاتهم، وكم صدرت من مقالات وكتابات من كبار المفكرين والمثقفين المسلمين  يحذرون وينذرون من مثل هذا التفريغ  السلبي لمكون شارك في صنع الحضارة العربية عبر نحو 1500 عام، وعليه فإن قضية هجرة المسيحيين العرب أو تفريغ الشرق الأوسط منهم  ليست قضية مسيحية بل قضية  إنسانية شرقية ، قضية تراثية حضارية.  نحن لا نخاف على الوجود المسيحي للمسيحيين إنما نحن  نخشى على فقدان مكون يعد جذور في الداخل  وجسور الى الخارج، مواطنون عرب اقحاح  لهم تاريخ عربي  وأصالة عربية ، إنتاج  وانتماء وحضور  .. كيف يمكن  أن تخسر الأوطان قيم مضافة يمثلها هولاء ؟ هذه هي الخسارة الحقيقية والمستفيد الوحيد من ذلك  هو إسرائيل  ذلك لأنه عندها لن تضحى الدولة العنصرية الدينية الوحيدة في الشرق .

هناك حضور مسيحي عربي في كافة دول الخليج العربي وفي مقدمتها الكويت يلقى احتراما لحرية العبادة .. ما الذي يمثله لكم هذا الحضور ؟

بلا شك هذه تجربة حضارية  عربية، بل تقييم حقيقي لدور  المسيحيين العرب في خدمة أوطانهم وإخوانهم، وقد قال البابا يوحنا بولس الثاني عام 2005 في أخر رسالة راعوية له ” إن جوهر الإنسان هو أن يكون مع ولأجل “،  والمسيحي العربي يعيش في تلك الأوطان مع أخيه  المسلم كشريك فاعل في البناء ، ويعيش من أجله مستعدا للخدمة بالمحبة  وحاضرا للتضحية من اجل الآخر في نسق حضاري إنساني إيماني، لا داخل “غيتو” منعزل كما فعل اليهود  في أوروبا في القرون الوسطى، ولذلك  نحن ندافع  عن كافة القضايا التي تحرر الإنسان العربي  من حقوق إنسان الى حرية المرأة مرورا بحرية العقيدة والعبادة ، وصولا الى النمو والتطور والبناء الديمقراطي ، ندافع عن هذه كلها من منطلق أنساني  وليس من منطلق ديني .

الجريمة الأخيرة ضد أقباط مصر عشية العيد  .. هل هي جرس إنذار  بطائفية  بغيضة أم أنها حادث فردي ؟

بداية نحن نأسف ونترحم على أرواح الشباب الذين قضوا ليلة عيد الميلاد  في نجع حمادي بصعيد
مصر. المأساة أنهم ليسوا لهم علاقة  بالمبرر الذي  قيل انه السبب أي الشاب المسيحي الذي اعتدى  على فتاة مسلمة ، نحن نعرف ونستوعب مدى خطورة ومشاكل جرائم الشرف في بلادنا العربية لكن الكارثة هنا أن القتل حدث بشكل عشوائي  وعلى الهوية الدينية  وهذا مؤشر مخيف جدا. لم يبد الأمر نتقاماً من شخص تعدى على فتاة ، وإنما نرى قتل يبعث رسالة مفادها انك مستهدف بسبب مذهبك أو دينك ، ومؤكد  انه يدل على أن الذي أقدم على ارتكاب  هذه المذبحة شخص غريب  ومريض وغير سوي نفسيا .

 

هل يعكس هذا الحادث اضطهادا طائفيا أم خللا اجتماعياً ينسحب على المسلمين والمسيحيين في مصر بشكل أوسع وربما اخطر ؟

الدولة المصرية ووسائل الإعلام تريد أن توضح الحادث على انه ليس بطائفي . يمكن أن يكون ذلك .  غير إنني افهم من خلال وجودي وجولاتي في مصر  أن هناك خللا في تركيبة الخدمات  بين المدينة والريف تؤثر على سير مثل هذه المصادمات.  فعلى سبيل المثال  لا تحدث جرائم من هذا النوع في القاهرة أو الإسكندرية إلا فيما ندر  بينما تلك  الحوادث تتكرر وبكثرة في الآونة الأخيرة  في صعيد مصر على نحو خاص  ما يعني أن هناك  مستوى معيشي مجتمعي  مسيحي إسلامي يجب تغييره ، كما يجب أن تترجم الآيات القرآنية  والإنجيلية الجميلة  التي تحث على الحوار والجوار والتعايش المشترك. واعتقد أن هناك أهمية كبيرة لتطوير المجتمع المصري وهذا ليس بالأمر اليسر لأن مصر مجتمع كبير جدا وفيه نسبة أمية عالية تؤثر سلبا في كثير من هذه القضايا .

 يندر أن نجد صدامات طائفية في سوريا على هذا النحو  والمثال .. لماذا ؟

عندنا في سورية دولة علمانية قوية ، تعطي حقوق متوازية للمسيحيين والمسلمين ، ولا يخلو مجتمع في الحقيقة من مشاكل  فلسنا في المدينة  الفاضلة لكن علامة الاستفهام الكبرى  يجب أن تتركز حول الأسباب الحقيقية التي تقود الى  تنامي الأصولية  وازدياد حدة الصراع وتكرار المشاحنات المذهبية .

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير