الفاتيكان، الاثنين 14 سبتمبر 2010 (Zenit.org). – على خطى القديس توما الأكويني، أوضح اللاهوتي إيف كونغار في ستينات القرن الماضي المعنى اللاهوتي العميق للتقليد، إذ ربطه بنقل السر الإلهي إلى البشر. التقليد الفريد والمفرد يتألف من “علاقة حياة جديدة، تتضمن من ناحية الله إيصال حيوية ودينامية متجددة في سبيل تحقيق شركة معه هي في آن شخصية وجماعية” (1).
يشرح كونغار أن طبيعة الوحي المسيحي، أي طبيعة هبة الله لذاته، ليست واقعًا يستطيع الإنسان أن يناله أو أن يتعلمه لوحده. بل هو ما يسميه القديس توما الأكويني “تعليم مقدس” (sacra doctrina)، إنه هبة ينالها الإنسان عندما يفتح قلبه بتواضع لكلمة تأتيه من الخارج. وعليه، فوديعة الإيمان المسيحي ليست مجموعة من التصريحات العقيدية أو التركيبات اللفظية الدقيقة بقدر ما هي “رمز” (symbolon) يقيم رباطًا صوفيًا بين واقع الله والواقع البشري. هذه الشركة بين الله والإنسان تتولد بفضل “الوسيط الوحيد بين الله والبشر، الإنسان يسوع المسيح” (راجع 1 تيم 2، 5). هذا الواقع أدركه الرسل والقديسون في مطلع المسيحية، فالقديس اغناطيوس الأنطاكي يقول بزخم روحي وإيماني: “إن أرشيفي هو يسوع المسيح (2) أي أن كل ما أعرفه هو يسوع المسيح.
إن فهم التقليد كفعل تسليم يعني أنه يجب أن يكون هناك فاعلان: الأول يسلِّم والثاني يتسلّم. لا يمكن للإنسان أن يحوز المسيح من تلقاء نفسه. فالمسيح، ثمرة شجرة الحياة الحقة نناله كهبة لا كغنيمة. ينال الإنسان الحياة الحقة ويلج في الحياة عندما يدخل في الشركة الحقة فيحقق صورة الله ومثاله في وجوده، يحقق ملء الحياة الثالوثية في الشركة. يقول الكاهن اللاهوتي جان نويل بزانسون: “الله لم يكن ليكون الله لو كان وحيدًا، والإنسان ليس إنسانًا إذا كان وحيدًا: ‘لا يحسن أن يكون الإنسان لوحده‘ (تك 2، 18)، ‘خلقه رجلاً وامرأة‘ (تك 1، 27). الإنسان ليس إنسانًا فعلاً إلا إذا كان في علاقة. لأن الله علاقة” (3).
ما من إنسان يستطيع أن يكون جزيرة معزولة. فقط عندما ينفتح على العلاقة يضحي حقًا إنسانًا أهلاً ومعدًا لله (capax Dei)، قادرًا أن يقبل الله وهبة ذات الله التي هي جوهر وديعة الإيمان. نرى بهذا الشكل كيف أن اعتماد الإنسان على الآخرين في مسيرة إيمانه لا يشكل إمكانية في الإيمان المسيحي بل هو شرك ضروري. الإنسان المخلوق على صورة الله لا يمكنه أن يحقق ذاته، ولا يمكنه أن يصل إلى مثال الله من دون أن يضحي حقًا مشابهًا لجوهر الله الأعمق: الجوهر الثالوثي الجماعي.
في الإيمان المسيحي لا يولد الإيمان على طاولة الدرس: نصل إلى المسيحية فقط من خلال الولادة الجديدة، من خلال ولادة من العلاء (راجع يو 3). وإذا كانت الحياة المسيحية قبولاً للحياة الثالوثية، فهي لا تستطيع أن تكون جهدًا فرديًأ، بل فقط في حضن الكنيسة نستطيع أن نقبل خدر العريس.
(1) Cf. Y. Congar, La Tradition et les traditions. Essai Théologique, Paris 1963, 16.
(2) Ignazio D’Antiochia, Lettera a Filadelfia 8, 2.
(3) J.-N. Bezançon, Dieu n’est pas solitaire. La Trinité dans la vie des chrétiens, Paris 1999, 15-16.