***
سيادة الرئيس،
السادة الوزراء،
سيادة المدير العام، سيداتي وسادتي،
1.يسرني أن أستقبلكم أنتم جميعاً الذين تشاركون في المؤتمر السابع والثلاثين لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة، وفقاً لتقليد طويل وسار استهل قبل ستين عاماً مع نشأة الفاو في روما.
سيادة الرئيس، من خلالكم أود أن أشكر الوفود الحكومية العديدة التي حرصت على الحضور في هذا اللقاء، مظهرة بذلك الشمولية الحقيقية للفاو. كما أرغب في تجديد دعم الكرسي الرسولي للنشاط الحميد والاستثنائي الذي تقوم به المنظمة، والتأكيد لكم على أن الكنيسة الكاثوليكية تلتزم بالمساعدة في جهودكم الهادفة إلى الاستجابة للاحتياجات الفعلية لكثيرين من الإخوة والأخوات في الإنسانية.
وأغتنم هذه الفرصة لأحيي سيادة الرئيس جاك ضيوف، المدير العام الذي بجدارة وتفان سمح للفاو بمواجهة المشاكل والأزمات الناتجة عن الوقائع العالمية المتغيرة التي تؤثر بشكل خطير على مجال عملها الخاص.
إلى المدير العام المنتخب، السيد خوسيه غراتسيانو دا سيلفا، أعبر عن أصدق تمنياتي بنجاح عمله المستقبلي، متمنياً أن تتمكن الفاو من الاستجابة دوماً بشكل أكبر وأفضل لتطلعات دولها الأعضاء وتقديم الحلول الملموسة للمتألمين بسبب الجوع وسوء التغذية.
2. لقد أشارت أعمالكم إلى سياسات واستراتيجيات قادرة على الإسهام في الإنعاش المهم للقطاع الزراعي، لمستويات الإنتاج الغذائي والتنمية العامة للمناطق الريفية. إن الأزمة الراهنة التي تضرب الآن كل جوانب الواقع الاقتصادي والاجتماعي تتطلب في الواقع بذل كافة الجهود للإسهام في استئصال الفقر، الخطوة الأولى ليتحرر من الجوع ملايين الرجال والنساء والأطفال الذين لا يحصلون على خبزهم اليومي. مع ذلك، يستوجب تفكير كامل السعي إلى إيجاد أسباب هذا الوضع دون التقيد بمستويات الإنتاج، بالطلب المتزايد على الأغذية أو بتقلب الأسعار: العناصر التي وعلى الرغم من أهميتها تستطيع أن تؤدي إلى قراءة مأساة الجوع بمصطلحات تقنية فقط.
الفقر، التخلف، وبالتالي الجوع كثيراً ما يكونوا نتيجة مواقف أنانية تتجلى بانطلاقها من قلب الإنسان في نشاطه الاجتماعي، في التبادلات الاقتصادية، في أوضاع السوق، في عدم الحصول على الغذاء، وتُترجم بإنكار الحق الأساسي لكل فرد في الغذاء والتحرر من الجوع. كيف نخفي أن الغذاء تحول هو أيضاً إلى مادة للمضاربات أو أنه مرتبط بالتطورات الحاصلة في السوق المالية التي بسبب خلوها من القواعد الأكيدة وافتقارها إلى المبادئ الأخلاقية لا تبدو متعلقة إلا بهدف الكسب وحده؟ الغذاء هو شرط متعلق بالحق الأساسي في الحياة. وضمانه يعني أيضاً التصرف مباشرة وسريعاً حيال العناصر التي تؤثر في القطاع الزراعي بشكل سلبي على قدرة الإنتاج، على آليات التوزيع وعلى السوق الدولية. وذلك، عندما يكون إنتاج غذائي عالمي – وفقاً للفاو والخبراء المختصين – قادراً على إطعام سكان العالم.
3. يفرض الإطار الدولي والمخاوف المتواترة الناتجة عن عدم الاستقرار وارتفاع الأسعار إجابات ملموسة واتحادية بالضرورة للحصول على نتائج لا تستطيع الدول ضمانها بصورة فردية. هذا يعني جعل التضامن معياراً أساسياً لكل عمل سياسي وكل استراتيجية، بحيث يكون النشاط الدولي وقواعده أدوات خدمة فعلية للأسرة البشرية وبخاصة للأكثر احتياجاً. إذاً، من الضروري وجود نموذج تنموي لا يأخذ بالاعتبار فقط الأهمية الاقتصادية للاحتياجات أو الموثوقية التقنية للاستراتيجيات التي يجب اتباعها، وإنما أيضاً البعد البشري لكل المبادرات، ويكون قادراً على تحقيق أخوة حقيقية (المحبة في الحقيقة، Caritas in Veritate، 20)، بالاعتماد على الوصية الأخلاقية القائلة بـ “إطعام الجياع” التي تشكل جزءاً من شعور الشفقة والإنسانية المطبوع في قلب كل إنسان والذي تعتبره الكنيسة من أعمال الرحمة. من هذا المنطلق، تدعى مؤسسات الأسرة الدولية إلى العمل بشكل مترابط وفقاً لتفويضها لدعم القيم الخاصة بالكرامة الإنسانية، بإزالة مواقف الانغلاق وبعدم إفساح المجال أمام مطالب خاصة تبدو كمصالح عامة.
4. الفاو مدعوة أيضاً إلى إنعاش بنيتها بتحريرها من العوائق التي تبعدها عن الهدف المشار إليه في دستورها: ضمان النمو الغذائي، توفر الإنتاج الغذائي، تنمية المناطق الريفية، في سبيل ضمان التحرر من الفقر (الفاو، الدستور، المقدمة) للبشرية. لذلك، يصبح التناغم التام للمنظمة مع الحكومات أساسياً لتوجيه ودعم المبادرات، بخاصة في الظرف الراهن الذي يشهد تقلص توفر الموارد الاقتصادية والمالية فيما لا ينخفض عدد الجياع في العالم وفقاً للأهداف المنشودة.
5. أفكر في وضع ملايين الأطفال الذين بصفتهم الضحايا الأوائل لهذه المأساة يُحكم عليهم بالموت المبكر، بتأخر في نموهم الجسدي والنفسي، أو يُجبرون على الخضوع لأشكال من الاستغلال للحصول على الحد الأدنى من الغذاء. إن الاهتمام بالأجيال الصاعدة قد يشكل وسيلة لمقاومة التخلي عن المناطق الريفية والعمل الزراعي، للسماح لجماعات بأكملها مهددة حياتها بسبب الجوع، بمواجهة مستقبلها بثقة أكبر. في الواقع، يجب أن نقول أنه وعلى الرغم من الالتزامات القائمة والواجبات المترتبة عنها، إلا أن الإعانة والمساعدات الملموسة كثيراً ما تقتصر على الاحتياجات الماسة، ويتم نسيان أن المفهوم المترابط للتنمية يجب أن يكون قادراً على تصميم مستقبل لكل إنسان وعائلة وجماعة بتعزيز أهداف على المدى
البعيد.
إذاً، لا بد من دعم المبادرات المرغوب في اتخاذها أيضاً على صعيد الأسرة الدولية كلها لإعادة اكتشاف قيمة المؤسسة العائلية الريفية ودعم دورها الأساسي لبلوغ أمن غذائي مستقر. ففي العالم الريفي، تبذل العائلة النواة التقليدية جهوداً لتعزيز الإنتاج الزراعي بفضل النقل الحكيم من الأهالي إلى الأبناء ليس فقط لأنظمة الزراعة أو الحفاظ على الأغذية وتوزيعها، بل أيضاً لأساليب الحياة، والمبادئ التربوية، والثقافة، والتدين، ومفهوم قدسية الإنسان في كافة مراحل وجوده. العائلة الريفية ليست نموذج عمل فحسب، بل نموذج حياة وتعبير ملموس عن التضامن، حيث يُثبت الدور الأساسي للمرأة.
سيادة الرئيس، سيداتي وسادتي،
6. إن هدف الأمن الغذائي هو ضرورة بشرية بحق، ونحن ندرك ذلك. وضمانه للأجيال الحالية والمستقبلية يعني أيضاً الحفاظ على الموارد الطبيعية من استغلال حاد لأن سباق الاستهلاك والتبذير يبدو أنه يتجاهل كل اهتمام بالإرث الوراثي وبالتنوع البيولوجي، المهمّين للنشاطات الزراعية. مع ذلك، مع فكرة تملك حصري لهذه الموارد، تتعارض الدعوة التي يوجهها الله للرجال والنساء لكي بفلاحتها وحراستها (تك 2: 8، 17) يعززوا مشاركة في استخدام خيرات الخليقة، الهدف الذي تستطيع النشاطات المتعددة الأطراف والقواعد الدولية أن تساعد في بلوغه.
في زماننا الذي تضاف فيه إلى المشاكل الكثيرة التي ترهق العمل الزراعي، فرص جديدة للإسهام في تخفيف مأساة الجوع، تستطيعون العمل لكيما من خلال ضمان غذاء مطابق للاحتياجات، يتمكن كل واحد من النمو وفقاً لبعده الفعلي كإنسان مخلوق على مثال الله.
هذه هي الأمنية التي أرغب في التعبير عنها، فيما أبتهل حلول البركات الإلهية الوافرة عليكم جميعاً وعلى عملكم.
***
نقلته إلى العربية غرة معيط (Zenit.org)
حقوق الطبع محفوظة لمكتبة النشر الفاتيكانية 2011