عظة الاب الاقدس خلال قداس عشاء الرب

يسوع هو الحمل الحقيقي المنتظَر

Share this Entry

الفاتيكان، 6 ابريل 2007 (ZENIT.org). – ننشر في ما يلي عظة الاب الاقداس التي القاها الخمسي خلال قداس عشاء الرب، في بازيليك القديس يوحنا في اللتران.

أيها الإخوة والأخوات الأعزاء،

في المقطع الذي سمعناه من سفر الخروج، هناك وصف للاحتفال بالفصح في اسرائيل كما جاء في شريعة موسى. بعد ان كانت هذه المناسبة عيداً ربيعياً للبدو، تحوّلت مع اسرائيل الى عيد للتذكار والشكر، وفي الوقت عينه عيد رجاء. وفي وسط العشاء الفصحي –التي تتبع قواعد ليتورجية معيّنة – كان الحمل، رمز التحرير من عبودية مصر.

ولهذا السبب كانت الـ “حكادة” الفصحية، جزءاً لا يتجزء من وجبة الطعام: التذكار الروائي بأن الله نفسه حرّر اسرائيل بيده. الله الخفي، كان أقوى من فرعون وجبروته. وكان على أسرائيل أن لا ينسى بأن الله أمسك بيده تاريخ شعبه وبأن هذا التاريخ كان دائماً مبنياً على الشراكة مع الله. ما كان على اسرائيل أن ينسى الله.

كانت كلمة التذكار محاطة بكلمات التسبيح والشكر المنتقاة من المزامير. وقد كان شكر ومباركة الله يصل الى ذروته في الـ “براكة”، والتي تعني باليونانية “إلوغيا” أة افخارستيا: مباركة الله تصبح بركة لمباركيه. التقدمة تعود مباركة للانسان. كل ذلك شكّل جسراً بين الماضي والحاضر، نحو المستقبل: لم يكن تحرير أسرائيل قد تم بعد.

كانت الأمة لا تزال شعباً صغيراً في حقل صراعات القوى العظمة. وهكذا تحول تذكار عمل الله الى دعاء ورجاء: أكمل ما بدأته! أعطنا الحرية التامة!

هذا العشاء، احتفل به يسوع مع تلاميذه في الليلة التي سبقت آلامه. في روايات الأناجيل، تناقض ظاهر بين إنجيل يوحنا من جهة، واناجيل متى، مرقس ولوقا من جهة أخرى. فحسب يوحنا، مات يسوع على الصليب تحديداً في الوقت الذي فيه قُدّمت حملان الفصح في الهيكل. فقد تزامن موته وذبيحة الحملان. ولكن هذا يعني بأنه مات ليلة الفصح، وبالتالي لم يستطع الاحتفال بعشاء الفصح – هذا على الاقل ما هو ظاهر. أما بحسب الأناجيل الإيزائية الثلاثة، فقد كانت عشاء يسوع الاخير عشاء فصحياً، وقد ادخل على شكله التقليدي هبة جسده ودمه. وحتى بضعة سنوات مضت، كان من الصعب إيجاد حل لهذا التناقض.

معظم مفسري الكتاب المقدس كانوا مع الرأي القائل بأن يوحنا لم يكن يود ان يقول لنا عن ساعة موت يسوع التاريخية الحقيقية، ولكنه اختار تاريخاً رمزياً ليسلط الأضواء على الحقيقة العميقة: يسوع هو الحمل الجديد والحقيقي الذي اهرق دمه لأجلنا.

إن اكتشاف كتابات قمران، اوصلتنا الى حلّ مقنع، بيد انه لم يُقنع الجميع بعد، ولكن فيه الكثير من الصحة. ونحن قادرون أن نقول اليوم بأن ما قاله يوحنا هو دقيق تاريخياً. فقد أهرق يسوع دمه فعلياً ليلة الفصح في ساعة تقدمة الحملان.

 ولكنه احتفل بالصفح مع تلاميذه، ربما بحسب رزنامة قمران، أي على الاقل يوماً قبل الفصح – وقد احتفل بها دون حمل، كجماعة قمران، التي لم تكن تعترف بهيكل هيرودوس، وكان تنتظر الهيكل الجديد. احتفل يسوع إذن بالفصح دون حمل – كلا، ليس دون حمل: فبدل الحمل قدم ذاته، جسده ودمه. وهذا استبق موته قائلاً: “ما من احد ينتزع حياتي مني، بل أنا اقدمها راضياً” (يو 10، 18). لقد وهب يسوع حياته بنفسه. وهكذا فقط أخذ الفصح القديم المعنى الحقيقي.

القديس يوحنا الذهبي الفم، في تعليمه عن الافخارستيا، قال: “ماذا تقول يا موسى؟ دم الحمل يطهر البشر؟ ويخلصهم من الموت؟ كيف يمكن لدم حيواني ن يطهر البشر، يخلصهم، ويقوى على الموت؟ في الواقع – يتابع الذهبي الفم – الحمل هو الرمز، وبالتالي فهو تعبير عن الرجاء وعن انتظار شخص قادر أن يحقق ما لم يستطع دم حيوان أن يحققه”.

احتفل يسوع بالفصح دون حمل ودون هيكل. فقد كان هو نفسه الحمل المُنتظَر، الحقيقي، كما سبق واعلن يوحنا المعمدان في بداية حياة يسوع العلنية: “هذا هو حمل الله، الذي يحمل خطايا العالم!” (يو 1، 29). وهو نفسه الهيكل الحقيقي، الهيكل الحي، حيث يسكن الله وحيث يمكننا أن نلتقي بالله ونعبده. دمه، محبة الذي هو في آن ابن والله وانسان حقيقي ، وواحد منا، هو الدم الذي يخلص.

محبته، تلك التي من خلالها أهرق دمه من أجلنا، هي المحبة التي تخلص. تقدمة الحمل البريء بلغت ذروتها وكمالها في يسوع الحمل والهيكل.

وهكذا، كان الصليب محور فصح يسوع الجديد. من الصليب تاتي هبة يسوع الجديدة. ولذلك فهو يبقى في الافخارستيا المقدسة، التي نحتفل فيها مع الرسل طوال زمن الفصح الجديد. من صليب يسوع تنبع الهبة. “ما من احد ينتزع حياتي مني، بل أنا اقدمها راضياً”. وها هو اليوم يهبنا إياها. الـ “حكادة” الفصحية، تذكار عمل الله الخلاصي، اصبحت ذكرى صلب وقيامة المسيح – ذكرى ليس للتذكير بالماضي بكل بساطة، وإنما تجتذبنا الى قلب محبة المسيح.

وهكذا أصبحي الـ “براكة” صلاة مباركة وشكر اسرائيل، احتفالنا الافخارستي، التي فيها يبارك الرب تقدماتنا – الخبز والخمر – ليهب ذاته من خلالهما. لنصلّ الى الرب ليساعدنا على التعمق بفهم هذا السر العظيم، وعلى محبته أكثر فأكثر. لنطلب منه أن يساعدنا على وهب حياتنا له، لنعمل معه ليجد البشر الحياة – الحياة الحقيقية التي تاتي فقط من الذي هو نفسه الطريق، الحق والحياة. آمين.

 

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير