أتت قيامة المسيح كميلاده، دون سابق انذار، حيث لم يرى أحد المسيح يترك القبر. ومنذ الايام الاولى بعد القيامة، تملك الشك الكثيرين بما فيهم التلاميذ المقربين من يسوع، وحتى الذين عرفوه وأحبوه.
كان شك توما أكثر من الآخرين، ولأنه سمع عن ظهورات المخلص من باقي التلاميذ، أكد قائلا: “إِنْ لم أعاين أثر المسامير في يديه، واضع اصبعي في مكان الميامير، ويدي في جنبه، لن أؤمن” (يو 20، 19ـ25).
عندها، ظهر الرب لهم مرة أخرى، بحضور توما، وقال له: “هات اصبعك الى هنا، فانظر يديَّ، وهات يدك فضعها في جنبي، ولا تكن غير مؤمن بل كن مؤمنا”. أجابه توما: “ربي وإلهي”، لأن جراحات جسد المسيح، أقنعته بأن من كان يتحدث إليه هو الملخّص حقا، وقد قام. عندها قال يسوع شيئا، لم يكن موجها لتوما فقط، بل لكل من يشك بحقيقة القيامة: “لأنك رأيتني آمنت، طوبى للذين لم يروا وآمنوا” (يو 20، 26ـ31).
“الذين لم يروا وآمنوا” هم أولئك الذين رغم عدم كونهم شهود عيان لقيامة المسيح، آمنوا، لأنهم عرفوا محبته.
يستحيل الوصول الى المسيحية دون حب المسيح الحي. ويستحيل ان نصبح مسيحيين بمجرد تأثرنا بتعليم المسيح الأخلاقي، أو باحترامنا لما قاله ولعقيدته. محبة المسيح فقط، هي التي توصلنا الى ايمان لا تعبر عنه الكلمات، وأسمى من بصيرتنا البشرية المعهودة. رغم ان أحدا لم يرى قيامة المسيح بعينيه البشريتين، المجردتين، فإن اليقين بأن “المسيح حقا قام”، راسخ في كل منا نحن المسيحيين.
خبرة الاحساس بقيامة المسيح وُهِبت لنا، نحن مسيحيي الغرب والشرق، بشكل خاص في الزمن الفصحي، رغم قدرتنا على الشعور بحضور المسيح القائم في الآحاد، وفي بقية أيام الأسبوع. لكن علينا أن نكون أهلا لهذه الخبرة، علينا أن نكون كالتلاميذ بعد أن قال لهم المسيح: “خذوا الروح القدس” (يو 20، 22). مع انهم تمكنوا من رؤية المسيح من قبل بأعينهم البشرية، لم يعرفوا فيه الله المتسجد بأعينهم الروحية. لكنهم بأخذهم الروح القدس، استطاعوا أن يقولوا: “لقد رأينا قيامة المسيح”.
يُعطى الروح القدس لنا نحن المسيحيين من خلال أسرار الكنيسة، وفوق كل شيء، عبر الاشتراك بالأسرار المقدسة. ولهذا فان كل منا يحمل المسؤولية والرسالة ذاتها التي أوكلت للرسل، وهي اعلان المسيح للعالم. ليس بالصدفة ان المسيحيين الآرثوذكس يقومون في الأيام التي تلي القيامة، لا بمجرد الصلاة في الكنيسة، بل بالتطواف حولها حاملين الصليب، الانجيل، الرايات وايقونة قيامة المسيح. التطواف بالصليب يعني أننا نؤمن بالمسيح، ونصبح شهودا لقيامته، ليس فقط داخل أسوار الكنيسة، بل وخارجها أيضا، حيث دعينا للشهادة للمسيح القائم.
خبرة الفصح، لا تُمنح لنا لمجرد التمتع بالاتحاد بالمسيح القائم، وحمْل نوره في قلبنا، بل للتمكن من حمل نوره الى من هم حولنا، أقربائنا، معارفنا، أصدقائنا، أعدائنا والعالم أجمع، ذلك العالم الذي يرغب الرب بإنارته بقيامته من خلالنا.