* * *
طوبى للتي آمنت بانه سيتم لها ما قيل لها من قبل الرب”
هذا الاحد يدعى طقسيا احد زيارة العذراء مريم نسيبتها أليصابات. وكانت أليصابات في حاجة الى هذه الزيارة لانها كانت تنتظر مولودا، ولم تكن لتقوى على القيام بواجباتها العائلية بذاتها، وهذه الزيارة هي ايضا برهان على رغبة العذراء في الخدمة، وعلى المحبة التي كانت تستحثها للقيام بزيارتها نسيبتها ومقاسمتها فرحتها وسرها. والعذراء مريم الوضيعة التي لم تجاوز سنها الخامسة عشرة، على ما يقول شراح الكتاب المقدس، هي التي اطلقت قصد الله في يوم زيارتها نسيبتها، لانها آمنت بما قاله لها الملاك جبرائيل من قبل الرب.
ان الله يتكلم، وهو يكلم كلا منا في اعماقه، ولكن صخب العالم يمنعنا من سماعه، لنضع قليلا، لنسمع في حياتنا صوت الرب.
ونتابع الحديث عن العائلة، والطلاق، وثبات رباط الزواج المسيحي، وهذه قضايا تنظر فيها عندنا المحاكم الكنسية.
1- الطلاق المدني
ان طلب الطلاق يقدمه الزوجان، ما دام التشريع المدني يحتفظ للزوجين، او على الاقل لاحدهما بتقديم طلب الطلاق قضائيا، ولا مجال لمنح الطلاق بقوة المنصب، او بناء على طلب اناس غير الزوجين.
وبامكان احد الزوجين، الذي تقدم عليه دعوى طلاق، ان يطلب “الادعاء برفع المسؤولية” (ومعلوم ان دعوى الطلاق في لبنان تكون عادة امام المحاكم المذهبية). والمدعى عليه لا يطلب مباشرة الطلاق، بل، اذا تم ذلك بناء على طلب المدعي، فليعلن مضمون الحكم على مسؤولية المدعي.
ويجوز طلب الطلاق فقط عندما يطلب الزوجان الطلاق المدني، وذلك ليس لانهما يريدان عقد زواج آخر، بل ليكون الزواج خلوا من الفوائد المدنية، وان يتحررا من التبعات الخطيرة التي لا يمكنها ان يتحررا منها بطريقة اخرى. واذا تمكن الزوجان من الحصول على ما يريدان بمجرد الانفصال الشخصي، وفصل الممتلكات، فانه واضح انه لا يجوز طلب الطلاق، لانه ما من سبب يبرر هذا الطلب. ولا يمكن الزوجين، بحجة اولى، ان يطلبا الطلاق لعقد زواج جديد، لانهما في هذه الحالة يطلبان امرا سيئا بحد ذاته، وينافي الحق الالهي. وقد جاء في رسالة البابا يوحنا بولس الثاني عن “العائلة” ان من يلجأ الى الطلاق، يكون قصده في غالب الاحيان عقد زواج جديد، دون احتفال ظاهر بالطقس الكاثوليكي.
ولما كانت القضايا الزواجية من صلاحية المحاكم الكنسية، لا يجوز للازواج ان يطلبوا الطلاق المدني بعد ان يكونوا قد حصلوا من المحكمة الكنسية الصالحة حكما بالبطلان او بالهجر.
في البلدان التي يسود فيها الطلاق، لا يندر، رغبة في الحصول على الهجر، أن يطلب المؤمنون عن جهل ديني، أو عن انتقاء لديهم للشعور المسيحي، الطلاق من المحاكم المدنية فقط. وهم يقومون بذلك أيضا لعدم تمكنهم من الحصول من المحكمة الكنسية على حكم له أيضا مفاعيل مدنية.
2- لا يجوز اللجؤ الى الطلاق واهمال الاولاد
بأبوة أولاد غير شرعيين، ان مجمع التوبة المقدس أجاب على هذا السؤال في السابع من كانون الثاني سنة 1892 وجوابا على السؤال لمعرفة ما اذا كان يجوز اللجؤ الى الطلاق كوسيلة وحيدة ناجعة لعدم الاعتراف بما يلي: “ان هذا لا يجوز”. وعاد فقال أن : “هذا هو رأي معظم المؤلفين”. وذلك لما هناك من خطر على تربية الاولاد وتنشئتهم.
ويجوز، علاوة على ذلك، للمحامي الكاثوليكي، أن يدافع عن قضية احد الزوجين تجاه الذي يطلب الطلاق، اذا كان المحامي يرافع لكيلا يصدر حكما بالطلاق، وهو حكم يكون ظالما في حد ذاته. وليس هناك من صعوبة أخرى تقف في وجه ممارسته مهنته، ما عدا أن هذه القضية تنظر فيها محكمة غير صالحة، اي محكمة مدنية.
تمكن المساعدة في مثل هذه القضايا، شرط أن يكون الاسقف متأكدا من نزاهة المحامي، وألا يقوم المحامي بأي شيء يذهب عكس مبادىء الحق الطبيعي والكنسي.
ولكن اذا طلب الزوجان الطلاق، دونما سبب عادل، أو بنية عقد زواج جديد، وهي نية سيئة، يستطيع المحامون ضميريا الدفاع عن هذه القضية. ويقتضي أن يكون هناك سبب بالغ الخطورة ليتمكنوا من الدفاع عن موكلهم، دون أن يتبنوا نواياه، وذلك بعد الحصول على موافقة الاسقف المحلي.
ولا فائدة من شريعة الطلاق، ان لم يكن هناك قضاة مدنيون يصدرون احكاما بالبطلان لدى ممارستهم رسالتهم ويمنحون الازواج الهجر، بهذه الطريقة، والقدرة على عقد زواجات مدنية. وعلى القاضي، اذا كان مسيحيا مؤمنا، أن يقوم بمهمته بصدق ونزاهة، أذا اراد الا يقترف ذنبا ضد شريعة الله، وأن يعوض عن الاضرار الناجمة.
وعندما يعالج القاضي المدني قضايا الطلاق، ويصدر الاحكام المتعلقة بها، فهو يتصرف تصرفا غير جائز وغير عادل، ويتطاول على صلاحية الكنيسة. واذا اعترف القاضي المدني بسلطة الكنيسة، فهو تصرف تصرفا جائزا عندما تتوفر الشروط الآتية وهي:
أ – ألا ينظر الا في مفاعيل الزواج المدنية.
ب – ولا يقبل النظر في القضية الا لأسباب خطيرة.
ج – وان يتحاشى الشكوك بتنبيه، اما الزوجين، وأما الآخرين الى أن حكمه لا يتناول الزواج في حد ذاته، بل مفاعيله المدنية.
د – ألا يذهب ضد ما تمنعه الكنيسة منعا صريحا.
ان الموظفين الرسميين وغيرهم من الموظفين مجبرون بحكم وظيفتهم على المساعدة، على تنفيذ الحكم في ما خص المفاعيل المدنية.
3- شريعة الطلاق ظالمة
وما من شك في ان الجميع يعرفون ان شريعة الطلاق هي شريعة ظالمة، لانها في الاساس تخالف شريعة طبيعية عليا والهية ووضعية. والشريعة الطبيعية المكتوبة في قلب الانسان، هي نقطة الارتكاز التي تعود اليها الشريعة الم
دنية عينها. “ان كل الشرائع التي وضعها الانسان تعتبر شرائع بقدر ما تنبع من شرائع الهية. واذا صدف، خلافا لذلك، انها، بطريقة من الطرق، تخالف الشريعة الطبيعية، فهي اذ ذاك لا تعود الشريعة شريعة، بل بالاحرى تصبح افسادا لشريعة”. وهذا ما يؤكده القديس توما الاكويني.
ان دور الشريعة المدنية هو ايضا مختلف، وحقلها اضيق من حقل الشريعة الادبية. “وما من طريقة حياة، تستطيع معها الشريعة المدنية ان تقوم مقام الضمير، ولا يمكنها ان تسن قواعد بالنسبة الى ما هو خارج عن صلاحيتها، على ما يقول مجمع عقيدة الايمان. وصلاحيتها هي ان تضمن الخير العام للاشخاص عن طريقة الاعتراف بما لهم من حقوق والدفاع عنها، والعمل من اجل السلام، والاخلاق العامة. وهذه هي العناصر التي تؤلف الجزء الاساسي من الخير العام، والتي تقع تحت اسم النظام العام، على ما يدعوها اعلان الكرامة الانسانية الصادر في 7 كانون الاول سنة 1965. وفي الواقع، ان الشرائع المدنية او الاذونات التي تتعارض والشريعة الادبية، وبالتالي وارادة الله، ليس لها قوة الالزام الضميري، وفي هذه الحالة، خلافا لذلك، انه من الواضح ان السلطة تبطل ان تكون سلطة، وتصبح استبدادا، على ما يقول البابا يوحنا الثالث والعشرون في رسالته: “السلام على الارض”.
والقاضي المدني، امام شريعة الطلاق الظالمة، ملزم الزاما ضميريا خطيرا باطاعة الله، لا اطاعة الناس. ومن حق القاضي المسيحي، وهو حق جوهري، بوصفه هذا، ان يلفت نظر المجلس النيابي اليه، وبالتالي الشريعة المدنية عينها. وبهذا المعنى، يجب تأمين امكانية رفض المشاركة لهذا القاضي الكاثوليكي الممارس في مرحلة تكوين دعوى الطلاق، لانه لا يستطيع ان يعاون ضميريا في اعمال سيئة اخلاقيا سيكون لها تأثيرها لاحقا على حكم الطلاق.
يجوز للقاضي المدني، في زعم علماء الاخلاق، ان يطبق شريعة الطلاق، حيثما هي نافذة، على ان يعرف الزوجان اللذان يلجآن الى خدماته ان حكم الطلاق، فيما لو صدر، سيكون له مفاعيل مدنية خاصة بارثهما. وفي هذه الحالة، يعلن القاضي المدني ان الشريعة المدنية تأذن، في بعض الحالات، بابطال الرباط المدني. وهذا يعني فقط المعمدين او الكاثوليك الذين لا يريدون الاحتفال بالزواج الديني. اما الكاثوليك الذين يحتفلون بزواج مدني فقط, ما لم يكونوا قد نالوا استثنائيا موافقة السلطة الكنسية, فيعتبرون موضوعيا خطأة مشتهرين مع كل ما يتبع ذلك من نتائج, وعلى الرغم انه من الواجب معالجة هذا الامر بمحبة كبيرة ولا يمكن رعاة الكنيسة ان يمنحوهم الاسرار, بحسب ما تقول رسالة البابا يوحنا بولس الثاني عن العائلة.
وفي الواقع لا يستطيع المطلقون الذين تزوجوا مدنيا ان يتقربوا من مائدة المناولة, ما دام هذا وضعهم.
وليس لهذه القاعدة طابع العقاب, او التفرقة, بالنسبة الى المطلقين المتزوجين ثانية, لكنها تعرب عن حالة وضعية “تجعل التقرب من المناولة القربانية امرا مستحيلا. وعلاوة على ذلك, ان المؤمن الذي يعيش عيشة زواجية مع شخص آخر ليس هو قرينه الشرعي او قرينته الشرعية, لا يمكنه التقرب من المناولة القربانية والرعاة والمعرفون, نظرا الى خطورة الموضوع, ومقتضيات خير الاشخاص الروحي, وخير الكنيسة العام, يقع عليهم واجب خطير, هو واجب التنبيه الى ان مثل هذا الحكم الضميري يتعارض بوضوح وعقيدة الكنيسة.
القضايا الزواجية يقتضي لها ايمان كبير, وطول أناة, الشعور بالمسؤولية. وكذلك القول عن قضايا الوطن, ولا يجوز التلاعب بها. وقول الحقيقة خاصة في هذا المجال قد يغضب, ولكنه عادة يشفي. ويعلم الله أننا لم نتوخ الأذية لأحد, بل أردنا ان نرفعها عنا. وبعد, فالوطن الذي يتسع صدره للجميع, يعلمنا كيف يجب ان يتسع صدر كل منا لأخيه لتستقيم الامور, ويعلو شأن الوطن.