1- الزواج الشاذ خروج عن الطبيعة
نتحدث اليوم عن بعض الشواذات في ما خص العائلة وعن الخروج عن الطبيعة التي رسمها الله للانسان، وهذا ما أشار اليه بولس الرسول في رسالته الى أهل روما بقوله: "هم الذين أبدلوا حق الله بالكذب, لذلك أسلمهم الله الى أهواء العار، فان أناثهم أبدلن الفعل الطبيعي، بالفعل المخالف للطبيعة، وكذلك الذكور"[1]. وهذا ما نريد اليوم أن نشير اليه، سائلين الله أن يقوي منا الارادة لنعمل دائما بمقتضى تعاليمه ووصاياه.

ان الاعتراف بالزواج بين أناس من جنس واحد له نتائج وخيمة، منها تجاهل ماهية الزواج الحقيقية. والمعرفة تقضي بتفحص الشخص أو الشيء للتعرف الى شخصيته، وطبيعته، وموقعه، وتقليبه على كل وجوهه، لمعرفته معرفة تامة، أو تصحيح الفكرة التي نكون قد كوناها عنه.
لذلك، اذا اعترفنا للشاذين جنسيا بحق الاتحاد بالزواج، ذلك أن المشترع لم يأبه الى هوية الأشخاص، وطبيعتهم، وموقعهم كأشخاص، ولا لواقع زواجهم. والاعتراف للشاذين جنسيا بالاتحاد بالزواج يفترض أننا قبلنا بنظام أشياء جديد.

وما هو هذا النظام؟ ما من شك في أن هناك من سيقولون ان أساس هذا النظام يقوم على الواقع الاجتماعي الذي يقتضي وجوده تنظيما قانونيا. وان وجود بعض وقائع بين الأشخاص في حلقات اجتماعية ضيقة، يكفي لتنظيم بعض تصرفات تنظيما قانونيا. ولكن أن يكون هذا التنظيم مبهما الى حد أنه يستحيل التمييز بين اتحاد رجل بامرأة، واتحاد أشخاص من جنس واحد، فهذا ما ليس له مبرر. ولا مجال الى الخلط بين قران بين أشخاص من جنس مختلف، وأشخاص من جنس واحد. والنوع الأول من الاقتران هو الشائع كل الشيوع. ان التشريع الذي يعترف بما هو شواذ في الزواج لا يقره العقل السليم، ولا الحس العام.
ان للزواج الطبيعي صفات خاصة معروفة. ولا نجد أيا منها في الزواج بين الشاذين. وهذا مرده الى طبيعة الشخص البشري. ولا يمكن القبول بمساواة هذين النوعين من الزواج. ان عدم المساواة بين الرجل والمرأة من حيث التكوين الطبيعي، يجعل القران بين شخصين من جنس واحد مستحيلا. فالفوارق، وعدم المساواة، بين الرجل والمرأة لها امتدادها على العلاقات الزواجية. وهناك فرق كبير في العلاقات داخل الزواج، والعلاقات في الواقع بين شخصين من جنس واحد. والاعتراف شرعا واجتماعيا بهذا الزواج الأخير يشكل خدعة، لأن العلاقات بين شخصين من جنس واحد هي علاقات مزيفة، وهي أمر يقدم على أنه سليم، وهو ليس بسليم، ولا يمكن أن يكون سليما.

2- الاعتراف بزواج شخصين من جنس واحد خديعة
والاعتراف شرعا واجتماعيا بزواج شخصين من جنس واحد يشكل خداعا يسيء الى الشخص البشري في قدرته الجنسية، ويشكل زواجا مزيفا بين شخصين من جنس واحد، وخدعة شخصية واجتماعية بحيث ان العلاقة الجنسية هي علاقة وهمية، لا معنى لها. والاعتراف شرعا بهذه العلاقة مجحف. ان القديس توما الأكويني يقول: "ان كل شريعة يصنعها الناس، لها قوة الشريعة، بما أنها تصدر عن الشريعة الطبيعية. واذا كانت تخترق الشريعة الطبيعية في احدى النواحي، فهي تبطل أن تكون شريعة، لتصبح مفسدة للطبيعة".[2]

وهذه نتيجة طريقة عمل بعض المشترعين -عندما يرتكبون منذ البدء خطأ انسانيا كبيرا- لدى محاولتهم تنظيم الواقع الزواجي الشاذ تنظيما قانونيا. ولا يمكن استخلاص أية دوافع صحيحة للمشترعين في هذه الحالة، لأن عدم اختلاط طبيعة الرجل والمرأة جلية أمام أبسط القواعد العقلانية. وما هي عواقب هذا الاختلاط حول هوية الاتحاد الزواجي؟ انها عديدة وسننظر فيها بايجاز.

3- عواقب الزواج الشاذ
أ-التنظيم المصطنع من أساسه تقريبا، -وهذا أقل ما يقال فيه- لاطار حياة عامة اجتماعيا وقانونيا، لا يتفق والطبيعة البشرية.

ب- تقوية بعض السلوكيات -النادرة وحتى الشاذة- التي اذا أخذت صورة مؤسساتية، تحيا وتفرض ذاتها نهائيا على المجتمع.

ج- ظهور بعض علاقات مضادة للطبيعة بين أشخاص، عندما تلقى المساندة والتشجيع لدى الشبان للاقتداء بها، وتعطى كمثل تربوي من شأنه ان يوحي بسلوك جديد مماثل.

د- طريقة تنظيم علاقات، كما لو انها علاقات تتعلق بالزواج، دون أن يكون هناك زواج، وما من رباط بين أشخاص من جنس واحد، وما من واجبات زواجية يقتضيها التشريع.

ه- تضخم القانون الذي يفقد ما له من معنى، بقدر ما تخلو القوانين المفروضة من العقلانية. ومن المؤكد ان الحياة تسبق القانون، أو بالأحرى، ان الله يتبع الحياة. غير أنه اذا كان القانون ينظم الحياة تنظيما يضاد الطبيعة، فان هذه الطريقة تجعل الحياة عمليا مستحيلة. وان القانون، ان لم يكن في خدمة الحياة، هل يمكن اعتباره قانونا؟ وهذا ما يحدث، عندما، انطلاقا من القانون، نضع بعض مبادئ تساعد على تغييب، أو تخريب مؤسسة طبيعية بحد ذاتها، كالزواج. وما من أمر- حتى الضغط الاجتماعي الناشئ من كثير من هذه المباديء- يمكنه أن يقضي أو يغير السبب الحقيقي الذي يجب أن يكون في أساس كل تشريع ، ويوحي به.

و- ويداس حق الزواج لأنه يضع، على قدم المساواة، الزواج الصحيح، والزواج الشاذ الذي ليس بزواج. لا شك في أن القرار بهذه العلاقات في الزواج الشاذ هي اقرار بأمر واقع، في مجتمع ديمقراطي ومتعدد، ويجب أن ينظمه قانون عادل، بما أن الشريعة لا يمكنها أن تمنع كل ما يخالف الفضيلة، على ما يقول القديس توما الأكويني. ولكن هذه الشريعة تكون ظالمة اذا وضعت، في تطبيقها، على قدم المساواة، الاتحاد الشاذ والاتحاد الزواجي.

ح- ومن الظلم مقارنة العائلة بالقران الشاذ، واذا ف علنا ذلك نكون قد حرمنا الزواج حقه، وهو تقوم عليه العائلة. وفضلا عن ذلك، ان ما يقدمه للمجتمع الزواج الشرعي بين رجل وامرأة لا يتساوى ولا يشبه من حيث الواجبات، والوظائف، والخدمات، التي يقدمها الزواج الشاذ للمجتمع. وهذا من الخطورة بحيث ان الزواج القائم على العائلة، كما هو معلوم، انما هو سابق للدولة، ولا ينبثق منها، ويذهب الى أبعد من حدودها.

ط- وهذا التمييز الكيفي للعائلة يوقع بها الضرر وبالمجتمع كله. ان مؤسسة الزواج الثابتة القائمة على رجل وامرأة واحدة، تشكل، في الواقع، أول عامل في ايجاد نسيج اجتماعي جديد، مع كل جيل. وكل ولد هو مواطن جديد، يوجد بعلاقاته مع غيره من المواطنين نسيجا جديدا ويوطد المجتمع. وكل مواطن جديد يدعم بعمله المجتمع بأكمله و"يملأ خزائن الدولة". ودون زواج، لا عائلة، ودون عائلة لا ولادات، ولا تربية أولاد. ودون أولاد، لا مجتمع. ودون مجتمع لا دولة. وان الحاق الغبن بالعائلة يسهم في تفاقم الخلل السكاني، والى تمزيق النسيج الاجتماعي الواهي، ويضع استمرار الدولة وبقاءها في صعوبة. والعواقب المنطقية لهذه السياسة هي ازدياد عدد السكان الوافدين على البلد، وما يولده من مشاكل جدية.

ان الله الذي أوجد الطبيعة وخلق ما عليها من نبات وحيوان وانسان، اوجد لها قواعد تسير عليها، وكل خروج على هذه القواعد لا بد من أن يتسبب بكوارث. وأبرز مثل على ذلك الزواج الذي رسمه الله لشخصين من جنس مختلف، واذا خرج الانسان على هذه القاعدة، جر عليه الوبال.

ولكل أمر في الدنيا قاعدة. ولكل دولة دستورها، والخروج عليه سبب لاضطرابات كثيرة، وهذا ما نراه ونلمسه كل يوم. وانا لنأمل أن نلتزم ما سنه لنا الدستور، فنبادر الى انتخاب رئيس للجمهورية، يتولى تسيير امور الدولة مع معاونيه، قبل فوات الأوان، وقبل أن نندم ولات ساعة مندم".