* * *
أيها السادة الكرادلة،
أيها الإخوة الأجلاء في الأسقفية والكهنوت،
أيها الإخوة والأخوات الأعزاء!
إنه لفرح عظيم بالنسبة لي أن أستقبلكم بمناسبة الذكرى التسعين لتأسيس المعهد الحبري للدراسات الشرقية، الذي أراده مؤسسه البابا بندكتس الخامس عشر، سلفي المكرم. كان زمن ذلك البابا زمن حرب، أما هو فقد جهد كثيرًا في سبيل السلام! ولكي يضمن السلام، أطلق العديد من النداءات، وبلور في عام 1917 – السنة التي تأسس فيها معهدكم – برنامجًا عمليًا للسلام، برنامجًا مفصلاً إلا أنه لم يلق نجاحًا للأسف.
مع ذلك، ولكي يضمن السلام داخل الكنيسة، أقام، خلال فترة شهور قليلة، 3 مؤسسات فائقة الأهمية: مجمع الكنيسة الشرقية، والذي سيدعى في ما بعد “مجمع الكنائس الشرقية”؛ المعهد الحبري للدراسات الشرقية، لدراسة الأبعاد اللاهوتية، الليتورجية، القانونية والثقافية، التي تشكل إرث معرفة الشرق المسيحي؛ ومجلد الحق القانوني.
أيها الأصدقاء الأعزاء!
شكرًا لزيارتكم. أحييكم بعطف. أحيي في المقام الأول، السيد الكاردينال ليوناردو ساندري، عميد مجمع الكنائس الشرقية، معبرًا له عن شكري لأجل العواطف التي عبر لي عنها باسم الجميع؛ أحيي سائر الكرادلة والأساقفة الحاضرين، والتلاميذ وجميع الذين ينتمون إلى جماعة المعهد الحبري للدراسات الشرقية. أشمل بتحيتي الودية جميع الذين ساهموا، طوال 90 عام، في جعل معهدكم أكثر تجاوبًا مع توقعات الكنيسة والعالم.
لقد أنشأ البابا بندكتس الخامس عشر، الذي أشعر برباط خاص به، في فترة خمسة أشهر، مجمع الكنائس الشرقية، في 1 مايو، والمعهد الشرقي في 15 أكتوبر. وقد استفادت الكنائس الشرقية من هذه البادرة، لأنها بدأت تتمتع بإدارة تتماشى أكثر مع تقاليدها، تحت إشراف الأحبار الرومانيين الذين لم يتوقفوا يومًا عن إظهار اهتمامهم عبر مبادرات دعم عملية، من خلال دعوة الكثير من التلاميذ الشرقيين للمجيء إلى روما لكي ينموا في معرفة الكنيسة الجامعة على سبيل المثال.
لقد عاشت هذه الجماعات الكنسية فترات عسيرة، وقد بقيت قريبة من روما عبر أمانتها لكرسي بطرس رغم بعدها الجغرافي عنها. ما كان تقدم هذه الكنائس وثباتها في الصعوبات ممكنًا لولا الدعم الدائم الذي تلقته من واحة السلام والدرس المتمثلة بالمعهد الحبري للدراسات الشرقية، والذي هو محور لقاء لنخبة الباحثين، والكتاب والمحررين في الشرق المسيحي.
تستحق ذكرًا خاصًا جوهرة المعهد، عنيت بها المكتبة التي أسسها سلفي البابا بيوس الحادي عشر، والذي كان سابقًا مدير المكتبة الأمبروسية، والمراقب الفني للقسم التاريخي في مكتبة المعهد الحبري للدراسات الشرقية. إنها مكتبة شهيرة في العالم بأسره، كما أنها إحدى أفضل المكتبات المتعلقة بالشرق المسيحي.
يشكل الإسهام في إنماء هذه المكتبة قسمًا من التزامي، وعلامة لاهتمام كنيسة روما بمعرفة الشرق المسيحي، ووسيلة لإزالة الأحكام المسبقة التي قد تسيء للتعايش الودي والمتناغم بين المسيحيين. أنا مقتنع بأن دعم الدراسة يحمل طابعًا مسكونيًا فعالاً، لأن الارتواء من معين حكمة الشرق المسيحي يغني الجميع حتمًا.
في هذا الصدد، يشكل المعهد الحبري للدراسات الشرقية مثالاً بليغًا لما تستطيع الحكمة المسيحية أن تقدمه لمن يرغب في الحصول على معرفة أدق للكنائس الشرقية، ومن يريد أن يتبحر في معرفة ذلك التوجه في حياة الروح، وهو يشكل موضوع فخر حقيقي للشرق، لأنه يملك في هذا المجال تقليدًا غنيًا جدًا.
وهذه الكنوز ليست حكرًا على الباحثين، بل هي في متناول كل أعضاء الكنيسة. وفي أيامنا هذه، بفضل العديد من الطبعات المتوفرة لكتابات آباء الكنيسة، لم يعد هذا الكنز “مغلقًا”. ويشكل تحليل وتفسير هذه النصوص، وصياغة مؤلفات عقائدية حول الإله الثالوثي، حول يسوع المسيح والكنيسة، حول النعمة والأسرار، والتأمل بالحياة الأبدية التي نستطيع منذ الآن أن نتذوقها مسبقًَا في الاحتفالات الليتورجية، كل هذا يشكل واجبًا من واجبات من يدرس في المعهد الحبري للدراسات الشرقية.
أيها الأساتذة الأعزاء، أعبر لكم بشكل خاص عن تقديري الكبير للخير العميم الذي تقومون به، عبر تكريس وقتكم الثمين للتلاميذ. أشكر بعطف الرهبنة اليسوعية، التي أوكل المعهد الحبري للدراسات الشرقية، منذ نحو 86 سنة، لجدارتها الأكاديمية وغيرتها الرسولية.
أتمنى من كل قلبي الخير لجميعكم، أيها التلاميذ الأعزاء، وقد أتيتم إلى روما لتتقاسموا، مع الكثيرين ممن أتوا من مختلف أنحاء العالم، خبرة الاتصال المباشر مع محور الكنيسة الجامعة. ولا أستطيع أن أغفل في شكري حلقة بارزة، أعني جميع الذين يقدمون إسهامًا هامًا، دون أن ينتموا بشكل مباشر إلى العاملين في المجال العلمي: أنهم الأصدقاء الذين يدعمون المجمع الحبري للدراسات الشرقية بتعاضدهم؛ المحسنين، الذين ندين لهم بالكثير في تقدم هذه المؤسسة المادي؛ العاملين، الذين لولاهم لما كان ممكنًا تأمين النشاط اليومي. أشكر الجميع من كل قلبي، وكعربون للمكافأة الإلهية، أمنحكم بعطف البركة الرسولية.
(ترجمة روبير شعيب)