الثقافة والألوهة
تتضمن الثقافة بمعناها الكلاسيكي المضي ما وراء المرئي والظاهر للوصول إلى الركيزة الأساسية للأشياء، إلى قلبها، لتشريع الباب للألوهة. يرتبط بهذا البعد بعدٌ آخر: تجاوز الفرد ذاته لكي يجد ركيزة لذاته في الجماعة الاجتماعية الكبرى، التي يستطيع أن يستعين بمعطياتها، وبالطبع، أن يقوم أيضًا بتوسيعها وتعميقها بشكل شخصي. ترتبط الثقافة دومًا بعامل اجتماعي يقبل في ذاته خبرات الأفراد، ومن جهة أخرى، يقوم بصياغة هذه الخبرات. يحمي هذا العامل الاجتماعي الإدراك الذي يتجاوز مقدرة الفرد ويعمل على تنميته – يمكننا وصف هذا الإدراك بالـ “ما قبل العقلاني”، و “ما وراء العقلاني”. عبر قيامها بهذا الأمر، ترجع الثقافات إلى حكمة “الأقدمين”، الذي كانوا أقرب إلى الآلهة؛ إلى التقاليد التي كانت سائدة منذ البدء، والتي تحمل طابع الوحي، أي أنها ليست نتيجة البحث والتفكير البشري المجرد، بل ثمرة الاتصال الأصلي مع ركيزة كل الأشياء؛ إيحاءات من الألوهة.