الإيمان والثقافة
الإيمان بحد ذاته هو ثقافة. فهو لا يوجد في حالة مجردة، كدين مطلق. فعبر كلامه إلى الإنسان عن هويته وكيفية الحفاظ على إنسانيته، يخلق الإيمان ثقافة ويضحي ثقافة. رسالة الإيمان هذه ليست رسالة مجردة؛ إنها رسالة نضجت عبر تاريخ طويل وعبر امتزاج ثقافي متعدد الوجوه، صاغت بفضله أسلوب حياة متكامل، طريقة يتعامل فيها الإنسان مع ذاته، مع قريبه، مع العالم، ومع الله. يقوم الإيمان بالذات كثقافة… الصليب هو أولاً انفصال، انطلاق إلى الأمام، ارتفاع عن الأرض، ولكن على كل حال يضحي هذا الصليب محور جاذبية، نقطة دوران محوري يجتذب الأمور من تاريخ العالم لكي يجمع ما تفرّق. يجب على كل من يلج الكنيسة أن يعي أنه يدخل في جماعة ثقافية قائمة بحد ذاتها وفاعلة، تتمتع بثقافتها المتعددة الأبعاد والتي نمت على مر تاريخها. لا يستطيع المرء أن يضحي مسيحيًا بمعزل عن نوع من “خروج”، انفصال عن الحياة الذاتية بكل أبعادها. الإيمان ليس سبيلاً فرديًا إلى الله؛ فهو يقود إلى شعب الله وإلى تاريخه وهذا الأمر لا يمكن محوه ببساطة… فشعب الله ليس مجرد جماعة ثقافية مفردة بل هو شعب يتألف من كل الشعوب، ولذا فالهوية الثقافية الأولى التي تنشأ من الانفصال المبدئي الذي تم قبلًا تولد في هذا الإطار؛ وليس هذا فحسب، فنشوء هذه الهوية الثقافية هو أمر ضروري للسماح لتجسد المسيح الكلمة أن يصل إلى ملئه.