روما، الثلاثاء 11 نوفمبر 2008 (zenit.org). – ننشر في ما يلي الأعداد 1، 2، 3 و 4 من "إرشادات لاستخدام علم النفس في قبول وإعداد المرشحين للكهنوت" التي صدرت عن مجمع التنشئة الكاثوليكية.
أولاً: الكنيسة وتمييز الدعوة
1. "تأتي كل دعوة مسيحية من الله وتعتبر عطية من عند الله. ولكنها لا تُمنح أبداً خارج الكنيسة أو بشكل مستقل عنها، إنما تحدث في الكنيسة ومن خلال الكنيسة، الصورة النيرة والحية لسر الثالوث الأقدس1. ويجب على الكنيسة "التي تولد الدعوات وتعدها"2 تمييز دعوة وأهلية المرشحين للخدمة الكهنوتية. ففي الواقع، "يجب اعتبار دعوة الروح الداخلية كدعوة الأسقف الحقيقية"3.
في إطار تعزيز هذا التمييز، ومن خلال العملية الشاملة للإعداد من أجل الكهنوت، تنشغل الكنيسة بمسألتين وهما الحفاظ على صلاح رسالتها، وفي الوقت عينه، على صلاح المرشحين. في الحقيقة، وتماماً ككل دعوة مسيحية، تحمل الدعوة إلى الكهنوت، إضافة إلى البعد المسيحي، بعداً كنسياً جوهرياً: "فهي لا تنبثق فقط "عن" الكنيسة وتوسطها، وهي لا تُعرف وتجد الكمال فقط "في" الكنيسة، ولكنها تبدو كذلك بالضرورة – في خدمة الله الأساسية – كخدمة "من أجل" الكنيسة. ومهما يكن شكل الدعوة المسيحية، فهي هبة تهدف إلى بناء الكنيسة وتنمية ملكوت الله في العالم"4.
لذلك، فإن صلاح الكنيسة وصلاح المرشح لا يتعارضان، بل يلتقيان. ويعمل المسؤولون عن الإعداد على التوفيق بين هذين الصلاحين، بأخذهما بالاعتبار معاً على الدوام في فعاليتهما المتشابكة. هذا هو المظهر الأساسي للمسؤولية الكبيرة التي تقع عليهم في خدمتهم للكنيسة وللأفراد فيها5.
2. إن الخدمة الكهنوتية التي تُفهم ويُعمل بها وفق المسيح، العريس والراعي الصالح، تتطلب مواهب محددة إضافة إلى فضائل أخلاقية ولاهوتية، يدعمها توازن بشري ونفسي – وبخاصة عاطفي – ، بغية تمكين الشخص من أن يكون معداً بشكل ملائم لمنح نفسه في حياة التبتل، بطريقة حرة فعلاً في علاقاته مع المؤمنين6.
إن الإرشاد الرسولي "أعطيكم رعاة" (Pastores Dabo vobis) ما بعد السينودس، يتناول الكلام عن مختلف أبعاد الإعداد الكهنوتي: الإنساني، والروحي، والفكري، والرعوي. وقبل أن يبحث النص في البعد الروحي – "وهو عنصر بغاية الأهمية في تعليم كاهن"7 – يشدد على أن البعد الإنساني يشكل أساس كل إعداد. وتعدد الوثيقة جملة من الفضائل الإنسانية، والقدرات المتصلة المطلوبة من كاهن، لكيما تكون شخصيته** "جسراً وليس عائقاً أمام الآخرين في لقائهم مع يسوع المسيح، فادي البشرية8. وتتراوح هذه الفضائل والصفات بين توازن الشخصية العام، والقدرة على تحمل أعباء المسؤوليات الرعوية، من معرفة متعمقة بالروح البشرية إلى حس عدالة وإخلاص9.
** يتعلق مفهوم "الشخصية" في هذه الوثيقة بالرشد العاطفي، وغياب الاضطراب العقلي.
وتستحق بعض هذه الصفات اهتماماً خاصاً: الإدراك الإيجابي والثابت للهوية، والقدرة على تكوين علاقات بشكل ناضج مع أشخاص ومجموعات؛ حس انتماء راسخ يشكل أساس الاتحاد المستقبلي مع مجمع الكهنة وأساس تعاون مسؤول في خدمة الأسقف10؛ الحرية المدعومة بأهداف عظيمة وترابط في تحقيقها في العمل اليومي؛ الشجاعة على اتخاذ القرارات، والالتزام بها؛ معرفة الذات، ومعرفة المواهب والقيود لدمجها ضمن احترام الذات أمام الله؛ القدرة على إصلاح الذات؛ تقدير الجمال بمعنى "روعة الحقيقة" إضافة إلى فن إدراكه؛ الثقة التي تولد عن تقدير الشخص الآخر وتؤدي إلى القبول؛ وقدرة المرشح على دمج جنسه وفقاً للرؤية المسيحية، حتى بالنظر إلى واجب التبتل11.
هذه التنظيمات الداخلية يجب أن تُصاغ خلال إعداد الكاهن المستقبلي لأنه مدعو إلى بناء الجماعة الكنسية، كونه رجل الله والكنيسة. وبمحبة الله الأزلي، ينمي الكاهن تقديراً حقيقياً وكاملاً للبشرية. كما أنه يعيش أكثر فأكثر غنى عاطفته في بذل نفسه لله، الواحد والثالوث، ولإخوته وبخاصة المتألمين منهم.
بوضوح، هذه هي الأهداف التي يمكن أن يحققها المرشح فقط من خلال التعاون اليومي مع عمل النعمة داخله. ويتم إحراز هذه الأهداف من خلال طريق إعداد تدريجية ومطولة لا تكون تخطيطية12 على الدوام.
وتستلزم الدعوة الكهنوتية طاقة استثنائية ومتطلبة من الديناميكيات الإنسانية والروحية. فقط من خلال معرفة هذا الأمر، يستطيع المرشح الاستفادة من تمييز متنبه ومسؤول للدعوة، يهدف إلى التفريق بين سبل الإعداد وفقاً لاحتياجات كل فرد، وإلى التخطي التدريجي لضعفه على المستويين الروحي والإنساني. ويجب على الكنيسة تزويد المرشحين باندماج فعال للبعد الإنساني، على ضوء البعد الروحي، إذ يصب فيه ويكتمل به13.
ثانياً: تحضير المُعدين
3. يجب على كل معد أن يتمتع بمعرفة جيدة بالشخص البشري: إيقاعات نموه؛ قدراته ونقاط ضعفه؛ وأسلوب عيش علاقته مع الله. وبالتالي فمن المحبذ أن يوفر الأساقفة – باستخدام مختلف التجارب، والبرامج، والمؤسسات ذات السمعة الحسنة – إعداداً ملائماً في منهجية الدعوة لدى المعدين، وفقاً للإرشادات التي صدرت مسبقاً عن مجمع التربية الكاثوليكية 14.
يحتاج المعدون أن يكونوا محضرين بشكل ملائم للقيام بتمييز يسمح وفق احترام عقيدة الكنيسة حول الدعوة الكهنوتية، باتخاذ قرار عاقل وأكيد في ما يتعلق بقبول المرشح للدخول إلى الإكليريكية، أو بيت إعداد الإكليروس، أو صرفه من الإكليريكية أو بيت الإعداد لأسباب عدم الأهلية. كما يجب على التمييز أن يسمح للمرشح بالحصول على مرافقة على طريقه من أجل اكتساب هذه الفضائل الأخلاقية واللاهوتية الضرورية لعيش هبة حياته بالكامل، بانسجام وحرية داخلية، بحيث يصبح "خادم الكنيسة كجماعة"15.
4. هذه الوثيقة التي صدرت عن مجمع التنشئة الكاثوليكية وهي دليل الإعداد في التبتل الكهنوتي، تقر بأن "الأخطاء التي تحصل في تمييز الدعوات ليست بنادرة، وبأن الشوائب النفسية التي تكون أحياناً من النوع المَرَضي، تظهر في عدة حالات فقط بعد السيامة الكهنوتية. إذاً، فإن الكشف عن هذه الشوائب في وقت مبكر يساعد على تجنب العديد من التجارب المأساوية"16.
من هنا، تظهر حاجة كل معد إلى أن يتمتع، وفق الإجراءات المتعارفة، بالإدراك والإعداد النفسي17 اللذين يخولانه قدر الإمكان إدراك حوافز المرشح الحقيقية، وتمييز العوائق التي تمنعه من دمج الرشد الإنساني والمسيحي، وملاحظة أي اضطرابات عقلية يعاني منها المرشح. يجب على المعد تقييم تاريخ المرشح بدقة وحذر، على الرغم من أن هذا التاريخ لا يشكل وحده المعيار الحاسم الكافي للحكم في إمكانية قبول المرشح أو صرفه من الإعداد. كما يجدر به أن يعرف كيفية تقييم الشخص ككل، من دون أن ينسى طبيعة النمو التدريجية، وأن يرى نقاط الضعف والقوة لدى المرشح، ومستوى اطلاع المرشح على مشاكله. أخيراً، يجب أن يميز المعد قدرة المرشح على التحكم بتصرفاته بمسؤولية وحرية.
لذلك، يجب على كل معد أن يكون مستعداً، حتى من خلال حلقات تعليمية معينة، لفهم الشخص البشري بعمق، وفهم متطلبات إعداده للخدمة الكهنوتية. لهذه الغاية، يجب الاستفادة من اللقاء مع الخبراء في العلوم النفسية، لمقارنة الملاحظات والحصول على التوضيحات حول بعض المسائل.