الفاتيكان، الخميس 20 نوفمبر 2008 (Zenit.org). – ننشر في ما يلي الكلمة التي سلمها سفير لبنان الجديد لدى الكرسي الرسولي السيد جورج شكيب خوري للبابا بندكتس السادس عشر يوم الإثنين الماضي، لدى تقديم أوراق اعتماده.
قداسة الحبر الأعظم
إنه لشرف كبير لي وامتياز عظيم أن أقدم لقداستكم أوراق اعتمادي كسفير للجمهورية اللبنانية لدى الكرسي الرسولي.
إسمحوا لي، في هذا المكان المقدس، أن أنقل لقداستكم، أيها الأب الأقدس، خالص التقدير والشكر من فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية، الجنرال ميشال سليمان، وأن أُشرك قدسكم بتطلعات وآمال الشعب اللبناني الذي يتطلع الى حياة سلام وعدالة ومحبة.
قداسة الحبر الأعظم
العالم مزروع بالأخطار والمشاكل: البيئة، الفقر والمجاعة، الاضطهاد، العنف والإرهاب. ولكن الإنسان لا ينفك يبحث عن بصيص من الرجاء، ويؤمن بحب الحياة، ويسعى دون ملل لمساعدة أخيه الإنسان.
قداسة الحبر الأعظم،
إن لبنان، كسائر الأمم، يدعو إلى مزيد من الجهود الدولية لتمويل برامج مكافحة الجوع، المرض والأمية، للمحافظة على الكرامة البشرية وتفادي الصراعات المسلحة.
إن لبنان، الدولة الشابة التي أبصرت النور عام 1943، يعاني من تداعيات الوضع الفلسطيني منذ عام 1949، وقد استقبل ولا يزال يستقبل على أراضيه آلاف اللاجئين الفلسطينيين.
وفي هذا الإطار، يتعهد المجتمع الدولي في تحمل كامل المسؤولية لضمانة الموارد الحيوية للاجئين على الصعيدين الإنساني والاجتماعي، بانتظار إيجاد حل نهائي وعادل للقضية الفلسطينية، طبقاً للقرارات الدولية.
ويعود لبنان مرة أخرى ليلفت انتباه المجتمع الدولي برفضه التام لأي تسوية للاجئين الفلسطينيين على أرضه، وهذا الرفض واضح في ديباجة الدستور اللبناني وفي اتفاقية الطائف، وهو ما تتفق عليه جميع الفرق اللبنانية.
على الرغم من التحرير واحترام القرارات الدولية، لا يزال لبنان يواجه جملة من المخاطر والتحديات الكبيرة:
1- التزام إسرائيل بالقرار 1701 ووضع حد للتهديد بشن حرب جديدة على لبنان.
2- استرجاع أو تحرير الأراضي اللبنانية المحتلة.
3- معاناة اللبنانيين في فترة ما بعد الحرب (القنابل العنقودية التي يذهب ضحيتها الأطفال، والعمال والمزارعون في حقولهم).
4- خطر الإرهاب والمحافظة على السلم الأهلي.
في هذه المناسبة، يؤكد لبنان من جديد على احترامه لقرارات المحكمة الجنائية الدولية التي أُنشئت عقب قرار مجلس الأمن الدولي 1757، للتحقيق في قضية اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري ورفاقه.
لبنان، صاحب التاريخ المرموق، ساهم، مع نشأة القوميات، بتطوير النهضة العربية على الأصعدة السياسية والثقافية والفكرية والاجتماعية. ولبنان، كعضو مؤسس في جامعة الدول العربية، وساهر دون ملل على التضامن العربي وعلى عملية سير العمل العربي المشترك، يسعى إلى توطيد علاقات مميزة مع سائر البلدان العربية. وعلى هذا الأساس قام فخامة رئيس الجمهورية، السيد ميشال سليمان بزيارة سوريا. وقد أسفرت هذه الزيارة الرسمية عن عقد اتفاقية على أُسس تُرجمت في إعلان مشترك (ومن بينها العلاقات الدبلوماسية، وترسيم ومراقبة الحدود السورية اللبنانية…)
قداسة الحبر الأعظم،
لبنان هو مهد حضارات عريقة ومرموقة. الشعب اللبناني شعب شجاع ذهب إلى العمق، تاركاً ضفافه، ليتقاسم مع القارة الأوروبية اكتشافاته واختراعاته. نشر روح التعاون والحوار والتبادل الحر في حوض البحر المتوسط وفي كل منطقة تواجد فيها.
إن لبنان، المتجذر في القيم الإنسانية والمدنية، هو أول ديمقراطية برلمانية في الشرق الأدنى. دستوره الذي يعود الى عام 1926، يقدس حرية الرأي والعبادة ومبدأ العدالة، ويدين شتى أنواع التمييز والطائفية. وفي مسيرته نحو تطبيق مبادىء الديمقراطية، عرف لبنان انتقالاً سلساً للسلطة من خلال الانتخابات البلدية والتشريعية والرئاسية، التي تجري على الرغم من الحروب التي طالما شلّت السلطة المركزية وعمل المؤسسات. اليوم، وبينما أكتب هذه الكلمات، يستعد لبنان لانتخابات تشريعية جديدة متوقَّعة في مايو 2009. لقد بات لبنان، منذ خمسينات القرن الماضي، مقصداً ثقافياً، طبياً، جامعياً، مصرفياً وسياحياً مميزاً في الشرق الأوسط، ومنصة للفكر الحر.
قداسة الحبر الأعظم
إن فلسفة الكيان اللبناني ترتكز على الحوار والتوافق والتعايش، كما يشير إليه تبني الشعب اللبناني لوثيقة الوفاق الوطني عام 1949 وتوقيع اتفاق الطائف عام 1989. وعلاوة على ذلك، فقد سلط اتفاق الدوحة الذي تم هذا العام، الضوء على أهمية هذه الأسس. إن الصراعات الدولية التي تطلق الصفارة منذرة بإمكانية وقوع صراع بين الحضارات، تعزز دور لبنان كضرورة دولية وكمختبر للثقافات والأديان.
لقد أشار قداسة البابا يوحنا بولس الثاني في العامين 1989 و 1997 إلى أن “لبنان هو أكثر من بلد، إنه رسالة، مثال للتعددية في الشرق والغرب وفسحة حوار وتعايش لثقافات وديانات متعددة”.
وفي كلمة قداستكم إلى الأساقفة الفرنسيين المجتمعين في لورد، قلتم: “إن هدف الحوارات المسكونية والدينية، التي تختلف بطبيعتها وبغرضها الخاص، هو البحث عن الحقيقة والتعمق بها… وحدها الحقيقة تؤهلنا لعيش وصية المحبة المزدوجة التي تركها لنا مخلصنا”.
لبنان، الذي تتعايش فيه ثمان عشرة جماعة دينية مختلفة، والذي عرف – على الرغم من كل شيء – أن يحافظ ع
لى نظامه الديمقراطي وأن يضمن الحريات الأساسية، يطمح لأن يصبح مركزاً دولياً يقود الحوار بين الثقافات والحضارات. وهذا ما اقترحه فخامة رئيس الجمهورية خلال الجلسة الثالثة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة.
نأمل بأن تنتصر قوى الخير على قوى الشر في هذا العالم، وأن تسفر مسيرة السلام في منطقتنا عن إيجاد حل عادل وشامل يأخذ بعين الاعتبار جميع جوانب الصراع في الشرق الأدنى.
قداسة الحبر الأعظم،
ببركاتكم، احتفلت العاصمة اللبنانية في يونيو الماضي بتطويب الأخ الكبوشي جاك حداد خلال احتفال افخارستي كبير. نصلي لكيما يمنح لبنان القوة والإلهام، والشباب المثالَ في الرجاء والإيمان المتقد.
أن أكون قريباً من قداستكم، عزاء لي في الأمل والرجاء بنيل القوة لأتم مهمتي، في خدمة بلادي وخدمة هذه القيم الإنسانية والأخلاقية، في سبيل تحقيق العدالة والوحدة والسلام.
نقله الى العربية طوني عساف – وكالة زينيت العالمية (Zenit.org)