كندا، الأربعاء 24 ديسمبر 2008 (Zenit.org). – ننشر في ما يلي رسالة المطران ابراهيم مخايل ابراهيم مطران الروم الملكيين الكاثوليك في كندا بمناسبة عيد الميلاد المجيد.
سلام الله معكم
" أيها المحب البشر، بما أنك إله السلام وأبو المراحم، أرسلت لنا رسول رأيك العظيم، مانحاً إيانا سلامك ". (من صلاة سَحَر الميلاد)هذه هي إحدى الصلوات البديعة التي تتردد بين جدران أديرتنا وكنائسنا والكثير من رعايانا وبيوتنا. إنها صلاة الكنيسة المناجية الله بالإعتراف بأعظم حدث عرفه تاريخ البشرية على
الإطلاق. ففي يوم الميلاد أرسل الله الآب ابنه الوحيد حاملا رسالة السلام والمصالحة. لكن هذه المصالحة تشترط أيضا مصالحة الإنسان مع ذاته ومع أخيه الإنسان. فكيف يعيش
الميلاد مَنْ لا يعيش المصالحة ومَنْ يعزل ذاته عن غيره محوّلا نفسه جزيرة لا اتحاد لها بالآخر.
الميلاد الحقيقي هو سرّ الإتحاد: إتحاد الله بالإنسان واتحاد اللاهوت بالناسوت واتحاد الأرض بالسماء واتحاد الغني بالفقير واتحاد القريب بالغريب. وفي هذا الإتحاد " يبقى
صورةُ الله وشخصُ أزليته المستحيل أن يكون متغيرا، قد اتخذ صورة عبد، وورد من أمّ لم تعرف حال زواج، من غير استحالة. إذ إنه لبث إلها حقيقيا كما كان، واتخذ ما لم يكن، إذ صار إنسانا لمحبته للبشر. " (من صلاة غروب الميلاد).
أكثر من ألفي سنة مرّت على تجسد الله وما يزال في الأرض مَنْ يرفضون أن يقبلوا سلامه بينهم وهم مستمرّون في تلطيخ تاريخهم بممارسة العنف وأعمال الظلمة المقيتة. أليس ما يلفّ بنا من انقسامات وحروب وشرور يضيّق في عالمنا رقعة الأمل بحلول سلام ملك السلام؟ "سَلاَمًا أَتْرُكُ لَكُمْ. سَلاَمِي أُعْطِيكُمْ. لَيْسَ كَمَا يُعْطِي الْعَالَمُ أُعْطِيكُمْ أَنَا" (يو 14/27).
نحن نعلم أن السلام الذي يعطيه الله هو سلام القلب وهو السلام الداخلي الذي يوحّدنا بالله المتجسد لأجل خلاصنا. أمّا السلام الذي يعطيه العالم فإنه سلام آنيّ وهش، سهل
الكسر وسريع الزوال ولا يمكن مقارنته بالسلام الحقيقي الداخلي الذي يعطيه الله. ولكي نحصل على هذا السلام الإلهي يجب:
أولا: أن نوقظ فينا الضمير ونتّحد بالله من خلال عيشنا حياة المسيح التي تصير فينا قوة التحول والتغيير والخلاص.
ثانيا: أن نعترف بضعفنا ومحدوديتنا فنجذب بتواضعنا يد المسيح الحنونة التي تزرع فينا النعمة الإلهية المقوّية لضعفنا والشافية لأمراضنا.
ثالثا: أن نتحد ببعضنا البعض لأن اتحادنا هو أيضا شرط أساسي للحصول على السلام الداخلي. فإنه يتعثر على مَنْ يزرع الخصام والانقسام أن يحصل على سلام حقيقي في داخله. فالانقسام هو من الشرير أما الوحدة فهي من الله. الشرير يقسّم لكي يسود، أمّا الله فيوحّد المؤمنين في بوتقة الخلاص الواحدة ، المجانية والشاملة.
فلننزع منّا أيها الأحباء كل جذور الانقسام المتأصلة في كبريائنا وأنانيتنا وحسدنا وقلّة إيماننا، ولنبذر مكانها بذور الوحدة والإلفة والمحبة والتسامح والإيمان. هكذا نتحوّل إلى مغارة حيّة يولد فيها ابن الله وصورة أزليته يسوع المسيح.
وأنا خادمكم بالأسقفية أدعوكم بكلمات الرسول بولس " أَن تَسيروا سيرةً تَليقُ بِالدَّعوَةِ الَّتي دُعيتُم إِلَيها، سيرةً مِلؤُها التَّواضُعُ والوَداعَةُ والصَّبْر، مُحتَمِلينَ بَعضُكُم بَعضًا في المَحبَّة ومُجتَهِدينَ في المُحافَظَةِ على وَحدَةِ الرُّوحِ بِرِباطِ السَّلام. فهُناكَ جَسَدٌ واحِدٌ ورُوحٌ واحِد، كما أَنَّكم دُعيتُم دَعوَةً رَجاؤُها واحِد. وهُناكَ رَبٌّ واحِدٌ وإِيمانٌ واحِدٌ ومَعْمودِيَّةٌ واحِدة، وإِلهٌ واحِدٌ أَبٌ لِجَميعِ الخَلْقِ وفوقَهم جَميعًا، يَعمَلُ بِهم جَميعًا وهو فيهِم جَميعًا (أف 4/1-6) .
وفي الختام إسمحوا لي أن أتقدم منكم بأطيب الأماني وأصدق المعايدة والتهاني، طالبا لكم من المخلّص المولود في مزود’ وهو ملك السلام’ أن يمنح قلوبكم السلام والأمان ويشملكم
بالصحة والفرح وهدوء البال’ وأن يمد العالم كله بالاستقرار والعدل والمساواة والازدهار. وكم أتمنى أن يتنامى الحوار بين الديانات والحضارات لخير كل الناس وبخاصة الأقليات وكل الفئات المعرضة للتهجير والابادة والاضطهاد.فالسيد المسيح ومنذ ولادته بالجسد على هذه الأرض تعرض لخطر القتل والتهجير. هذه المحن التي بدأت بالميلاد واختُتمت على الصليب جعلته يتحد اتحادا وثيقا بكل مُعذًبي الارض وفقرائها ومهجريها ومتألميها.
فأليه نرفع شكوانا طالبين السلام والحرية والأمان والإستقرار لإخوتنا المتألمين في سائر بقاع الارض والمحتاجين الى ميناء انعتاق وخلاص. كما أرفع الصلاة من أجل أن يبعد الله عنا غيمة
الأزمة الإقتصادية التي يتخبط بها عالمنا. وأسأل الرب أن يتوصل البشرُ أجمعين الى إيجاد الحلول الملائمة للمشاكل والازمات التي تعصف بعالمنا وأوطاننا ومجتمعاتنا وعائلاتنا وبيئتنا وبكل ما يختص بحياتنا المادية والروحية والاخلاقية والفكرية والنفسية’ من أجل عالم أفضل يعيش فيه أبناؤنا بهناء وسلام وطمأنينة ورخاء. صلّوا يا إخوتي ولا تخافوا، فالخوف عدو الإيمان، واعلموا أنه وُلد لنا مخلص هو عمانوئيل ألذي تفسيره "الله معنا"، وإن كان الله معنا فمن علينا؟
أعاد الله عليكم هذا العيد المجيد لسنين طوال ملأى بالفرح والصحة والنجاح. أتمنى لكم ميلادا مجيدا وعاما جديدا سعيدا ومقدسا.
ألمسيح وُلد! فمجّدوه.
خادمكم بالرب،
المطران ابراهيم مخايل ابراهيم