رسالة الأنبا أنطونيوس نجيب بمناسبة الميلاد

Share this Entry

الإسكندرية، الأربعاء 24 ديسمبر 2008 (Zenit.org). – ننشر في ما يلي رسالة الأنبا أنطونيوس نجيب، بطريرك الإسكندرية للأقباط الكاثوليك بمناسبة عيد الميلاد المجيد.

باسم الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد. آمين

من الأنبا أنطونيوس نجيب،

بنعمة الله، بطريرك الإسكندرية للأقباط الكاثوليك،

إلى إخوتنا المطارنة، وأبنائنا القمامصة والقسوس،

والرهبان والراهبات والشمامسة،

وإلى جميع أبناء الكنيسة القبطية الكاثوليكية،

على أرض الوطن، وفي بلاد الانتشار.

“والكلمة صار بشراً، وعاش بيننا” (يوحنا 1: 14)

يسعدنا أن نحتفل في هذه الليلة المباركة بعيد ميلاد السيد المسيح له المجد. ويتميّز عيد الميلاد في كل أنحاء العالم، بجو خاص من الفرح والابتهاج، فتتلألأ الأنوار وتنتشر الزينات، وتكثر لافتات التهاني، وتجتمع العائلات ويلتقي الأصدقاء ويتبادلون الهدايا، ويخصّون بها الأطفال. هذه هي المظاهر الخارجية.

أما من جهة الإيمان فعيد الميلاد أعمق من ذلك بكثير. إنه الاحتفال بتجسّد الابن، الكلمةِ الأزلي، الذي شاء في حبّه اللامتناهي أن يصير واحداً منا: “والكلمة صار بشراً، وعاش بيننا”. وحَّد في شخصه بين الأبدي والزمني، بين المطلق والمحدود. أراد أن يختصر المسافة بينه وبيننا، لأنها كانت تمنعنا من التقرّب إليه بالحب. هذا الحب هو ما يريد طفلُ المغارة أن يعلنه لنا. قبل التجسّد كان للناس تصورات مختلفة عن الله. ولكنها كانت كلها قاصرةً وبعيدة عن التصوّر الحقيقي والصحيح. فأراد هو نفسه أن تقترب إلينا، لنقتربَ نحن إليه. ولهذا تجلّى لنا في رقة طفل صغير، وأخلى ذاته ليتحد بطبيعتنا.

صار الكلمة بشرا، طفلا رقيقا، ليوقظ أفضل وأسمى ما في الإنسان: القدرةَ على أن يعطي، ويبذلَ ذاته، ويحب. ففي ذلك يصبح الإنسان شبيها بالله. صار الكلمة الأزلي شبيها بالإنسان، ليصير الإنسان شبيها به. لا يعرف طفل المغارة أن يتكلم بَعد. ولكنه، مثل كل طفل، يثير الحب والاهتمام والتضحية. هذه هي رسالة الميلاد. ويوضّحها ما جاء في إنجيل القدّيس لوقا عن ميلاد السيد المسيح، كما سمعناه الآن (لوقا 2: 1 – 20).

ملائكة السماء مُرسَلون من الله، ليعلنوا عهدَ الله مع الناس، منشدين: “المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، وللناس المسرّة”. لقد انفتحت السماء للبشر. الله يتنازل للقائنا في شكل طفل صغير. ومعه يولد رجاء عظيم لعالم الإنسان… والمذود الذي التجأت إليه مريم ويوسف، هو أيضا علامةٌ على تواضع الكلمة الأزلي، الذي لم يشأ أن يظهر مُحاطا بالعظمة والغِنى. بل تحلـّى بالضعف والفقر، ليلتقى بنا في كل أوجه وأوضاع ضعفنا وفقرنا. والفندق الذي رفض مريمَ ويوسف، رمزٌ لكل ما يصدر من الناس في رفضهم لحضور الله في حياتهم، ولكلمته ووصاياه. هو إشارة لما سيجده يسوع من رفض واضطهاد من الكثيرين المقاومين له طوال حياته الأرضية، بل وعلى مدى الأجيال.

وهكذا يظهر، منذ لحظة ميلاده، موقف الناس من السيد المسيح. سيقبله البعض، ويرفضه الآخرون. ولكنه دائما حاضرٌ، يعلن ويجسّد حبَّ الله اللامتناهي للإنسان. من أجل ذلك صار الكلمة بشرا، وعاش بيننا. أراد أن يعيش حياتنا البشرية، ليجعل منا أبناء لله، ليرفعنا إليه ويُشركنا في حياته. جاء ليُخرجَنا من انغلاقنا، ويفتحَ قلوبَنا لله ولإخوتنا. رسالة الميلاد هي رسالة حب وسلام ورجاء لجميع الناس: “المجد لله في العُلى، وفي الأرض السلام، وللناس المسرّة”.

على مثال الرعاة، كلنا مدعوون إلى مغارة يسوع، لنضعَ عنده همومَنا وأتعابنا وآمالنا. سيقول لنا: تعالوا إليَّ، يا جميع المـُتعَبين والرازحين تحت أثقالكم، وأنا أريحكم” (متى 11: 28). ونحن مدعوون أن نحمل إليه أيضا همومَ وأثقالَ إخوتنا البشر. لأن طفل المغارة جاء ليمنح الخلاص للعالم كله.

في هذه الليلة المباركة، ترتفع صلواتنا من أجل كل الذين يعانون الآلام، والعُزلة، ومن أجل المرضى، والعاطلين، والمهمَّشين. فلتكن هذه المناسبة الدينية فرصةً لنحمل لإخوتنا هؤلاء الفرحَ ودفءَ المودّة. فلنذهب لزيارتهم، ولا ننسى المستشفيات، والسجون، وبيوت المسنّين، وأصحاب الاحتياجات الخاصة، والأرامل والأيتام، وكلَ مَن يحتاجُ معونة وحبا. يريد الله أن يولد الحب في كل قلب. يريد أن يهب السلام والمحبة لكل أبناء البشر. فلنكن إذا زارعي حب وصانعي سلام، مع كل إنسان وفي كل مكان. وهذا ما تسعى أن تصنعه الكنيسة بلا توقف في مسيرة التاري

وفي هذا السياق أودّ أن أشرككم في ثلاثة أحداث هامة، عاشتها الكنيسة الكاثوليكية مؤخرا من أجل هذا الهدف، وسعدتُ بأن أشترك فيها.

ففي شهر أكتوبر الماضي، انعقد في الفاتيكان مجمعُ الأساقفة العام الثاني عشر، عن “كلمة الله في حياة ورسالة الكنيسة”، برئاسة قداسة البابا بندكتس السادس عشر. اشترك فيه مائتان وثلاثة وخمسون من البطاركة والكرادلة ورؤساء الأساقفة والأساقفة، يمثّلون جميع الأساقفة الكاثوليك في العالم. وكذلك مائة وخمسون آخرون من الأخصائيين، والمستمعين، وممثلي الكنائس غير الكاثوليكية. ودام المجمع ثلاثة أسابيع.

واحتفل قداسة البابا بقدّاس الأحد للافتتاح، وقدّاسِ الأحد للختام. وبينهما احتفل في الأحد الثاني بقداس أعلن فيه قداسة أربعة أشخاص: كاهنٍ إيطالي، وسيدة من الإكوادور بأمريكا الجنوبية، وراهبة من سويسرا، وراهبة من الهند وهي الأخت ألفونسينا، أول إمرأة من الهند تُرفع إلى مصاف القداسة. وقد أسعدني أن
أشترك في هذا المجمع وهذه الاحتفالات، ممثلا لكنيستنا القبطية الكاثوليكية. وقد دعا المجمعُ إلى أن تكون كلمة الله في أساس الحياة والخدمة. كما ناشد الأديان والشعوب والحضارات أن يتقاربوا ويتلاقوا ويتحابوا.

وكان الحدث الثاني في شهر نوفمبر، وهو المؤتمر العالمي السنوي الثاني والعشرون من أجل السلام، الذي نظّمته مؤسسة سانت إيجيديو فى قبرص. ضمّ المؤتمر حوالي 2500 شخص، يمثلون الأديان والحضارات والبلاد المختلفة. وكان من الرائع حقا أن يلتقي هؤلاءُ جميعا، في جو تميّز بالمودّة والأخوّة، وبالحوار الصريح والهادىء والبنـّاء، يستمعون بعضُهم إلى بعض باحترام وتقدير. وفي الختام، وجّه المؤتمر نداءً إلى بُناء عالم يسوده السلامُ والأخوّة والتعاون.

أما الحدث الثالث فكان في شهر نوفمبر أيضا في لبنان، في مقر غبطة البطريرك الكاردينال مار بطرس نصرالله صفير، بطريرك الموارنة، وهو الاجتماع السنوى الثامنُ عشر لبطاركة الشرق الكاثوليك. وكان موضوعه “القديس بولس رسول الأمم لعالم اليوم في الشرق”. وتضمّن بيانه الختامي هذه الكلمات: “إننا نسأل الله تعالى أن يمنح كلَّ بلداننا، الاستقرار الذي يتيح لها أن تنموَ نموّا طبيعيا، وأن تزدهرَ بإيمان جميع أهلها، وبمحبّتهم بعضهم لبعض، وبتعاونهم لتعزيز أوطانهم، فتتوفّر فيها لجميع المواطنين حياةٌ كريمة ومطمئنة”.

ولا نظنُ أن هذه الاجتماعات واللقاءات تمر بدون ثمرة. ونظرا لضيق الوقت، أودّ أن أتوقف فقط عند ثمارها في مجال الحوار الديني. لعلنا نتذكر الخطابَ الذى وجّهه مائة وثمانية وثلاثون، من رجال الدين المسلمين في العالم، في 13 أكتوبر 2007، إلى قداسة البابا بندكتس السادس عشر ورؤساء الكنائس الأخرى، تحت عنوان: “تعالوا إلى كلمة سَواء بيننا وبينكم”. وكان دعوةً إلى الحوار حول محبة الله ومحبة القريب… لقد رحّب قداسة البابا بهذه الدعوة، وتمت لقاءات تمهيدية بين ممثلين لهذه المجموعة وممثلين للفاتيكان. ومن الرابع إلى السادس من نوفمبر، التقى فى روما وفد يضم ثلاثين من كل جانب، لحوار تميّز بالمودّة والصراحة في مناخ من التفاؤل والرجاء.

وسبق هذا اللقاء مؤتمر للحوار الديني، نظّمه العاهل السعودي جلالة الملك عبدالله آل سعود، في مدريد باسبانيا، من 16 إلى 18 يوليو 2008. واشترك فيه وفدٌ من الفاتيكان ومن الكنائس الأخرى، وممثلون للديانة اليهودية… وفي يومي 11 و 12 نوفمبر 2008، عقدت هيئة الأمم المتحدة في نيويورك، مؤتمرا لحوار الأديان والثقافات، تحت عنوان “ثقافة السّلام”، اشترك فيه ممثلون للأديان والدول، وتوّج أعماله ببيان ختامي، حمل إسم “إعلان نيويورك”، أكّد فيه على الأهداف والمبادئ الواردة في ميثاق الأمم المتّحدة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان… هذه المبادرات البنّاءة على المستوى العالمي، هي دفعة قوية لنا لنسلكَ نفسَ السبيل، فنلتقي في مودّة وإخاء، ونتعاونَ في سلام ووئام… هكذا يتحقق نشيد الملائكة في ليلة الميلاد: “وفي الأرض السلام”. إنه عطش البشرية الدائم للسلام.

في هذا المساء المبارك، نرفع قلوبنا وصلواتنا إلى الله، في اتحاد مع قداسة البابا بندكتس السادس عشر وإخوتنا البطاركة والأساقفة. نلتمس من الله تعالى أن يمنَّ بالسلام على العالم، لتنتهي الحروبُ والصراعات، ويتوقف العنف والإرهاب، ويسودَ الهدوء الأمان. إننا نتطلع إلى عام جديد سعيد لجميع البشر، ولاسيما لجيراننا الأعزاء: العراق، وفلسطين، والسودان، والكنغو، والصومال، ولكل البلاد التي يعاني أهلها من الحروب والنزاعات. ونلتمس شفاعة أم النور وأم طفل المذود، مريم العذراء، لكي يسودَ الحبُ مجتمعَنا البشري.

ونرفع إلى رئيسنا الجليل محمد حسني مبارك، كلَ شكرٍ وتقدير. ونصلي أن يمنحه اللهُ القدير القوّة والعمر الطويل، وأن يكلل بالنجاح كل مساعيه من أجل السلام والرخاء، في وطننا الحبيب مصر. فليحفظه الله قائدا لمسيرة النهضة والحرية والعدالة… كما نصلي من أجل كل المسؤولين. سدّد الله خطاهم، وحفظ قواتنا المسلحة، وحفظ مصر سالمة آمنة ومباركة.

 “المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، وللناس المسرّة”

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير