بقلم الأب الياس جانجي
روما، الثلاثاء 31 مارس 2009 (zenit.org). – بعد أن تحدثنا في المقالة السابقة عن انشقاق الكنيسة الأرمنية عن الكنيسة الكاثوليكية، نتوقف الآن لاستعراض بعد المحاولات التي تمت على مر التاريخ لإعادة الوحدة بين الخلقيدونيين وغير الخلديقونيين.
3ـ 5. بعض المحاولات التوحيديّة المعاصرة لمجمع خلقيدونيا
ـ المحاولة الأولى: كما ذكرت سابقاً فإن الكاثوليكوس نرسيس شينوغ أي الباني هو من أطلق الحرم على مجمع خلقيدونيا، لكن الكنيسة والشعب الأرمني لم يتحولا إلى لا خلقيدونييّن بين ليلة وضحاها. حيث أنه بقيت بعض الأقاليم في أرمينيا تعترف بالمجمع الخلقيدونيّ. كان يرأسهم الأسقف بطرس (549-558) وخلفه بعد ذلك الأسقفان كريكور (559-562) وفرتانيس (562-684) . وإن هذا الأخير رفض أن ينال سيامته من أساقفة أرمن لا خلقيدونييّن، فطلب من بعض الأساقفة الأفغان منهم الكاثوليكوس أباس (551-595) سيامته، وثبت علاقاته مع كرسي أورشليم، فكتب أسقف كرسي أورشليم بعض الرسائل التي تحتوي على بعض الأفكار بالنسبة إلى الذبيحة الإلهية وممارسة الأسرار .
وقد حاول الأساقفة الذي لحقوا الكاثوليكوس نرسيس الباني أن يُعيدوا الخلقيدونييّن إلى التيار اللاخلقيدونيّ وبالأخص الكاثوليكوس يوحنا الثاني كابيغيان ، وبدأ يتحجج بأن هذا التيار هو تيار غريب وحديث جداً على الإيمان القويم، وعلى إيمان المجامع القديمة . وحين رأى أنه لم ينتفع شيئاً، بدأ بمهاجمة الأفغان والقسم الشمالي لأرمينيا، فطلب أباس أسقف الأفغان منه أن يعترف بطبيعتي المسيح . وهنا نلاحظ التقارب الشديد بين الاثنين وخاصة عندما كتب الكاثوليكوس يوحنا أيضاً رسالة إلى بطريرك أورشليم، ويجيب هذا الأخير بوضوح تام بأن أفكاره لا تتعارض مع أفكار المجمع. ومن وقتها أدركا سويةً اللعبة التي قام بها “أبتيشو” أسقف السريان . لكن وبسبب بعض المشاكل السياسيّة والعسكريّة التي كان يواجهها الأرمن في صراعهم مع الفرس وبالأخص عام 572، حيث أنهم لم يستطيعوا الصمود أمام هذه الضغوط الكبيرة. فهرب بعض الأساقفة إلى القسطنطينية، حيث عقد فيها اجتماع عام 573 من أجل توحيد الكنيستين، فتواصلوا مع اليونان وقبلوا بالوحدة. فذهب أحد الطرفين إلى الوطن الأم من أجل مواجهة الصراع مع الجيش الفارسي، وبقي الطرف الثاني في القسطنطينية، مع العلم أنه تلقى دعوة إلى مجمع تيفين، الذي ذكرته سابقاً. لكنه توفي في القسطنطينية معترفاً بالإيمان القويم. مع موته ذهبت كل الأحلام بالتوحيد .
ـ المحاولة الثانية: بعد موت الأسقف يوحنا، عاد الكرسي الكاثوليكوسي إلى الأسقف موفسيس يغيفارتيتسي ، واستطاع الطرف الثاني بقيادة الأسقف موشيغ ماميكونيان أن يهدأ الأحوال قليلاً بمساندة القيصر البيزنطي موريغ. ويعيد هذا الأسقف جزءاً كبيراً من أرمينيا إلى السلطة البيزنطيّة، ولكن تبقى هناك مساحة صغيرة خاضعة للسيطرة الفارسية وضمن هذه الرقعة عُقد مجمع تيفين، هذا المجمع الذي لعب دوراً كبيراً في حسم الخلاف. فطُلب موشيغ من القسطنطينية فلبى الدعوة ولكنه يرفض التعامل مع القيصر وطلب عقد اجتماع آخر لدحض القرارات السابقة متعذراً بعدم الإلمام التام بأعمال خلفه وبالأخص بالقضايا العقائديّة. ويتبيّن من خلال هذا المجمع الذي شارك فيه معظم الأساقفة الأرمن بأنه ليس فقط معادٍ لمجمع خلقيدونيا، بل يكره بشدة السيطرة البيزنطيّة. كان عدد الأساقفة الأرمن المشاركين 21 أسقفاً. هؤلاء اتحدوا مع البيزنطيين وقبلوا الوحدة معهم، إلا أن الأسقف موسى رفض هذه الوحدة وعقد مجمعاً آخر مع أتباعه مؤكداً فيه أن كل من يتواصل مع روما يكون مسانداً للطرف الخلقيدونيّ. أما الطرف الخلقيدونيّ الآخر عقد مجمعاً ثانياً باسم تيوتوروس، شارك فيه بعض الأساقفة البيزنطييّن ونصبوا الأسقف هوفنان باكرانتسي (593-611) كاثوليكوساً على كرسي أفان . وهكذا انقطعت العلاقات بين الطرفين إلى حين .
قامت بعدة هذه المحاولتان محاولات أخرى، إلا أنها لم تعطي النتيجة المرجاة. فظل هذا الانشقاق داخل الكنيسة إلى يومنا هذا، حيث قام الكاثوليكوس كاريكين الثاني بتوقيع وثيقة مشتركة مع البابا يوحنا بولس الثاني وذلك في روما في 9 تشرين الثاني، سنة 2000.