بقلم روبير شعيب

روما، الاثنين 31 مايو 2010 (Zenit.org). – إن موهبة بلوندل الكهنوتية في حالته العلمانية لا تتوقف على شماسية الحقيقة الفكرية، بل تدخل أيضًا في إطار تحويل وجوده الشخصي في بعدين متكاملين: روح الإماتة والمطابقة الافخارستية.

في اعتناقه لموقف الدفاع الفلسفي عن الإيمان المسيحي، كان بلوندل يعي الجفاف والصعوبة التي كان سيواجهها. وسيرة حياته تشهد أن هذه الصعوبات كانت حقيقة. ولكن روح الإماتة عند بلوندل لا ينحصر في الإطار البطولي الأخلاقي أو التقشفي؛ بل يأخذ روح الإماتة عنده طابعًا أنطولوجيًا ويضحي بذلك شرطًا لا بد منه لاكتمال الفعل والمصير البشري.

اعتبار هذا العنصر في وجود بلوندل يلقي الضوء على فهم أهمية الإماتة والتضحية في فلسفته وفي فهمه للانفتاح على الله. إذا ما نظرنا إلى مؤلفه "ألفعل" (l’Action)، نرانا أمام ضرورة حل إيجابي لقضية الفعل، وهذا الحل يظهر في إمكانيتين إثنتين: درب الظواهر وحياة الحواس، أو درب الكائن وحياة التضحية. من خلال تحليل الشروط الكامنة في الفعل، يبين بلوندل في المقام الأول، نقص الطبيعة البشرية. إن اختبار النقص بحد ذاته هو خبرة ألم وجودية، والألم بدوره هو علامة على أن الإنسان يحتاج إلى شيء أكثر. الألم هو أيضًا علامة على أن هناك "عملية ولادة تجري في باطننا"؛ بكلمات آخرى، الألم هو أوجاع المخاض التي ترافق ولادة الفعل الكامل، فعل الله في حضن الفعل البشري لأننا، كما يصرح بلوندل بالذات: "يجب علينا جميعنا أن نولّد ذواتنا من خلال ولادة الله فينا".

من ناحية أخرى، يوضح بلوندل حاجة الإرادة إلى ما يفوق الطبيعة لكي يتمكن الفعل أن يطابق آفاق الوعي والضمير. فقط إذا ما أفسحنا المجال للآخر في ذواتنا نستطيع أن نجد ملء مصيرنا، ومطابقة دينامية إرادتنا. هذا وإن إفساح المجال للآخر يعني إفراغ الذات والتخلي عن الذات. هذا هو المعنى العميق للإماتة: "ما يولد فينا السعادة، ليس ما نملك، بل ما نتجرد عن ملكيته. فنحن لا نحوز على اللامتناهي، بل نفسح له المجال لكي يدخل فينا من خلال إفراغ الذات والإماتة".