الأردن، الاثنين 31 مايو 2010 (ZENIT.org). - بمناسبة ختام الشهر المريمي نقدم تأملاً مستوحى من مفهوم الطوباوية الأم ماري ألفونسين لزيارة العذراء مريم ولعيشها في حياة المسيحي، كوقفة صدق أمام مريم في ختام الشهر المريمي.
* * *
إن أمنا مريم البتول، ما أن حملت ابن الله في أحشائها، ما كان لها إلا أن توجهت، إلى خالتها اليصابات لتخدمها، وتقدم لها ما تحتاج، لان الاتحاد الكامل بالرب، لا يمكن أن يكون، إلا اتحادا كاملا بالقريب، وخدمة مجانية له، خدمة مبادرة لا تنتظر سؤلا أو مقابلا خدمة، بفرح وحب، خدمة تحمل الرب وتغّير حياة القريب .

فمن اتحد بالرب، وعاش بعلاقة حقيقية وحميمة معه، لا يمكنه إلا أن يعيش علاقته هذه، على ارض الواقع، وتطبيقها مع القريب، ولا سيما المحتاج والفقير والمريض.

إن الباحث عن الأم ماري الفونسين، اعتاد أن يجدها قائمة تصلي، ولدى سماعها لأي نداء، كانت تبرح مكانها بسرعة، مفارقة الرب من اجل الرب، تاركة عبادته من اجل خدمته، في شخص القريب، وبعد تأدية ما عليها، سرعان ما كانت تحتل مكانها السابق، أمام القربان الأقدس. 

هذه هي قمة الاتحاد بالرب، ورؤيته في القريب، والمحتاج والمريض، فكم من مرة هرعت مسرعة، تاركة صلاتها التي تعشقها، تلبية لخدمة القريب، كم من مرة فهمت، أن الصلاة من اجلهم جميعا هي الخدمة الأولى، فلم تتنازل عنها مهما حدث، حتى في اشد الظروف صعوبة.

حتى أمام الموت، عاشت الأم ماري الفونسين، خدمتها للقريب بكل أبعادها، انطلقت من بيت الرب لتذهب مسرعة إلى القريب، تحمل إليه يسوع، كما مريم التي ذهبت مسرعة لزيارة خالتها اليصابات حاملة إليها يسوع.

"الحب يحث على مساعدة القريب في جميع احتياجاته".

وهكذا كرست حياتها كاملة للعناية، بالأيتام والفقراء في بيت لحم، وبذلت قصارى جهدها، للتخفيف عن أكثر المحتاجين والمرضى، مثل مساعدة المرأة الضريرة على الشفاء، بشفاعة العذراء، والرجل المدنف على الموت، بالشفاء، أيضا بشفاعة العذراء، وبفاعلية المسبحة الوردية. وعملت كل ما أوتيت من قوة، لزرع بذور الإيمان والرجاء والمحبة، في نفوس من تتعامل معهم.

وبالنسبة لنا نحن الذين، منذ شهر "31 يوم"، وأغلب المصلين منا، يأتي يوميا للكنيسة في موعد منتظم، ولقاء مع السيدة العذراء، لصلاة المسبحة الوردية، والقداس الإلهي، والطلبة، وزياح العذراء، نرُفع الحمد والمجد والشكر لإلهنا العظيم، الذي منحنا أُما سماوية حنونة شفوقة، مصغية حانية علينا وعلى احتياجاتنا.

وفي كنائسنا، أصغينا إلى كلمة الله عن أمنا مريم، من كهنتنا الأجلاء، في هذه السنة الكهنوتية الخاصة ، للصلاة من اجلهم، وسنة الطوباوية ماري الفونسين، مؤسسة رهبنة الوردية المقدسة، وسمعنا عنها الكثير، وأصغينا وعرفنا، من هي، وكم هي جميلة ورائعة، وماذا فعل الله معها، من عظائم، وكم هي قوية وقريبة من الله، وقادرة ومؤثرة على قلب الله.

فلماذا نحبك أيتها العذراء؟ 
نحبك لأننا تلفّظنا باسمك ونحن نرضع حليب أمهاتنا.
نحبك لأن الله يحبك. ولأنك أم فاديّنا ومخلصنا.
نحبك لأنك الإنجيل الحي المُعاش المطبَّق، ولأنك صورتنا الحقيقة، ولأنك نموذج المسيحي الكامل.
نحبك لأننا عندما نرفع نظرنا إليك نصل إلى السماء، ونُلامس القداسة والطهارة والجمال والروعة.
نحبك لأنك تعرفيننا بأسمائنا، مثل الله، وتعتبرين كل واحد منا، ابنك الوحيد.
نحبك لأنك عرفت الألم بسببنا، وأنت تحت الصليب، تمخّضت فينا وبكل إنسان، حتى نصير إخوة ليسوع وأبناء لله، على صورته ومثاله.
كيف نحبك أيتها العذراء؟
هل تكفي الشمعة التي نضيئها؟ 
هل تكفي الوردة التي نقدمها؟
هل يكفي قنديل الزيت الذي نضيئه، داخل منازلنا، أمام شخصك؟
هل يكفي أن تلمس أناملنا حبات المسبحة، وأن تتمتم شفاهنا وتتعثّر بالسلام الملائكي؟ 
لا يكفي هذا كله يا أمي..... 
مريم أمنا، أنت قديسة، لا تعرفين الخطيئة، فإن لم نبتعد نحن بدورنا عن الخطيئة، كيف نحبك ونرضيك؟
مريم أمنا طاهرة بروحها وجسدها، فإن لم نحبس نظرنا عن رؤية الباطل، ولساننا عن النطق به، وجسدنا عن اقتراف الخطيئة، فكيف نقول، أننا نحبك ونرضيك؟
مريم غفرت لصالبي ابنك ، فكيف نحبك ونحن لا نغفر ولا نسامح ولا ننسى الشر، ونرد الشر بالشر وننتقم؟ 

مريم تطبيق الإنجيل بحذافيره، كلمة كلمة ، فكيف ندّعي حبها وإكرامها، ونحن لا نعرف الإنجيل، وتعاليم المسيح، ومنطق الله في التعامل، وحضارة السماء المطلوبة من أهل الأرض؟

مريم ليست تمثالاً ، هي شخص ، وحركة وسرعة وسير نحو الآخر، ومساعدة وخدمة وتضحية، فهل نجرؤ على قول أننا نحبها ونحن أنانيون ، وصوليون ، نؤثر المصلحة الشخصية؟

مريم صامتة متأملة مصلية، وهل نحبها ونحن نكذب ونغتاب ونفتري، ولساننا سليط على عِرضِ الآخرين وسمعتهم؟ 

مريم أمنا يا طاهرة ! كم نحتاج إليك، نحن الخطأة الضعفاء، وليس إلى شيء آخر سواك، في هذه الحياة الفانية، فكما زرت خالتك اليصابات، واهتز الجنين طربا، زوري بيوتنا وقلوبنا وأديرتنا وكنائسنا، وغيرينا في نهاية شهرك المبارك، فهو لم ينتهي بعد، بل يبتدئ الآن، فنحن مستعدون، لنقول للرب، كما قلت:

"ها أنا امة الرب فليكن لي حسب قولك".

ومع الطوباوية ماري الفونسين، نصلي ونقول:
بابك مفتوح دائم... لمن كان بالآثم عائم...
ابنك تائب ونادم... يا بريئة من الخطيئة

يا أم الكنيسة صلي لأجلنا، وباركينا وغيرينا، وزوري بيوتنا وكنائسنا ووحدينا.