الفاتيكان، الثلاثاء 7 سبتمبر 2010 (Zenit.org). – في ختام الحديث عن رموز الكنيسة، اسمحوا لي أن أشارككم بأجمل تعريف للكنيسة التقيت به، لا في كتابات أحد آباء الكنيسة العظام، بل على شفتي طفلة لها من العمر 5 سنوات اسمها صوفيا. خلال إحدى دروس التعليم المسيحي للإعداد إلى المناولة الأولى في رعيتي أردنا التحدث عن الكنيسة فقمت باستطلاع لأرى ماذا يفهم الأطفال عندما نتحدث عن الكنيسة. جاءت الأجوبة، كما العادة في ساعات التعليم المسيحي، متنوعة وغنية: بعضها مضحك وساخر يهدف إلى لفت أنظار الأطفال الآخرين، بعضها تقليدي يردد ما نسمعه عادة بين المسيحيين وخلال العظات، أما التعريف الذي أثر فيّ عميقًا فجاء على شفتي هذه الطفلة التي ليست من أكثر الأطفال هدوءًا ومشاركة عادة، بل على العكس! قالت صوفيا: “الكنيسة هي القلب الذي يحب يسوع“. إن هذا التعريف هو خلاصة الإكليزيولوجيا الختنية، علم الكنيسة الذي يرى في الكنيسة عروسة المسيح. الكنيسة هي العروس التي تحب العريس، التي تقبل هبته: روح الحب الذي تتنفسه سوية في اتحادها الحميم ومطابقة حياتها على حياة العريس.
هذا التعريف البسيط – الذي بدا لي مثل اعتراف بطرس بمسيحانية يسوع – يربطنا عميقًا بأحد رموز وتعاريف الكنيسة العريقة. يصف الآباء الكنيسة أحيانًا بـ “دارة الأبرار”، جماعة الصديقين منذ خلق العالم. التعريف التقليدي هو: “الكنيسة منذ هابيل” (Ecclesia ab Abel). في هذا المفهوم، حدود الكنيسة ليست الحدود المنظورة، والانتماء إليها لا تضمنه الأسرار كما لو كانت سحرًا. فبولس يشير إلى كيف أن الشركة في جسد الرب قد تكون أيضًا دينونة لمن لا يتناوله باستحقاق. جوهر الانتماء إلى الكنيسة هو أن نحب المسيح، وأن نحبه في كل المواضع التي وعد بأنه سيكون موجودًا فيها. أليس هذا ما يقوله لنا نص إنجيل الدينونة الأخيرة في إنجيل متى الفصل 25؟ ففي هذا النص نجد أن الانتماء إلى يسوع يتجلى من خلال الحب العملي والملموس: حب الفقير، حب الغريب، حب السجين، حب الجائع، حب المشرد… ويسوع بالذات يقول: “أقول لكم سيأتي الكثيرون من المشارق والمغارب ويجلسون على المائدة مع ابراهيم، اسحق ويعقوب في ملكوت السماوات، بينما أبناء الملكوت سيطرحون إلى الظلمة البرانية، وهناك البكاء وصريف الأسنان” (مت 8، 11 – 12). يسوع واضح جدًا عندما يقول أن الانتماء له ليس إسميًا، بل متجسدًا: “ليس من يقول لي ‘يا رب، يا رب‘ يدخل ملكوت السماوات، بل من يفعل إرادة أبي الذي في السماوات” (مت 7، 21).
لا بد لنا هنا، لكي نذهب أعمق في فهم هوية الكنيسة، أن نتوصل إلى اتفاق على مبدأ تأويلي للظاهرة الدينية بشكل عام: من غير الممكن أن نحكم على قيمة واقع ما انطلاقًا من الطريقة التي يستعمله فيها الأشخاص، بل انطلاقًا من جوهره الحميم ومن غايته الأصلية. ربما نستطيع أن نوضح هذا المبدأ من خلال بعض الأمثلة:
إن جهاز تجسيم الصوت (ستيريو) يستعمل عادة للاستماع إلى لموسيقى، لإضافة لمسة رومنطيقية على السهرات، أو حماسية خلال ساعات الرياضة. إذا ما استعمل هذا الجهاز شخصٌ غير مؤدب وأزعج جيرانه، فهذا لا يجعل من الستيريو أداة شريرة أو سيئة. السيئ هو الاستعمال لا الأداة.
مثل آخر: الدواء هو أمر جيد غايته أن يساعد الإنسان على الشفاء وعلى الاستمرار في العيش، ولكن من الممكن أيضًا سوء استعماله، الأمر الذي يؤدي إلى تعذرات صحية ونتائج جانبية قد تصل حتى إلى الموت. ولكن هذا الاستعمال السيئ لا يجب أن يحكم على طبيعة الدواء الجيدة بحد ذاتها.
الأمثلة كثيرة، ولكن أعتقد أن الفكرة – رغم بساطة الأمثلة – واضحة: لا يمكننا أن نحكم على واقع انطلاقًا من الاستعمالات الفردية له، بل انطلاقًا من جوهره. وهذا الأمر ينطبق على الكنيسة: لا يمكننا أن نحكم على الكنيسة انطلاقًا من فساد بعض الأشخاص في داخل الكنيسة. يجب أن ننظر إلى جوهر الكنيسة العميق، إلى هويتها الحميمة. ما هي الكنيسة حقًا؟ أو بالحري، من هي الكنيسة حقًا؟
(يتبع)