هل يستطيع علم الفيزياء أن يبرهن أن الله غير موجود؟ (4)

الكون ينطق بمجد الله

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

بقلم روبير شعيب

روما، الخميس 9 سبتمبر 2010 (Zenit.org). – لننتقل إلى الفكرة التي يعتبرها هوكينغ السبب في تغيير رأيه: أن الكون واسع جدًا لدرجة أنه لا يمكن أن يكون الله خلق كل هذا الكون للإنسان.

هناك أيضًا التركيبة المنطقية سخيفة:

الكون واسع جدًا

الدين يقول أن محور الكون هو الإنسان

هذا الأمر ليس منطقيًا إذا علم الفيزياء يستطيع أن يقول أن الله غير موجود.

تتوارد إلى ذهني كلمة أينشتاين: “هناك أمران لا متناهيان: الكون وغباوة الإنسان. ولكن عندي بعض الشكوك بأن الأول هو حقًا لامتناهٍ”.

هل الكون لامتناهٍ؟ بكل بساطة الأمر لا يهمني لأن وجود الله لا يرتبط بهذا الأمر. فليمتّع العلماء فضولهم في البحث عن حدود الكون. بارك الله عملهم! ولكن حذار أن يؤدي سفرهم إلى حدود اللامحدود إلى ضياع حقائب الذكاء. بأي حق يخلُص مرء إلى أن شخص آخر غير موجود لأنه على ما يبدو كان مبذّرًا؟!! أليس هذا ما يقوله هوكينغ؟ – العالم واسع إذَا الله غير موجود!! والداعي إلى ذلك؟ لأنه بحسب ما يقول هوكينغ من السخافة أن نعتقد أن الله خلق كل هذا الكون من أجل الإنسان.

أود أن أتوقف هنا لأستعرض بعض خصائص الكائن البشري نسبة إلى المخلوقات الأخرى. في نظرة ظواهرتية إلى الخلائق نجد أنه بقدر ما ترتفع المخلوقات في سلم التطور والتعقيد الجيني نراها تنفتح أكثر على أبعاد جمالية وفنية لا توجد في مخلوقات أدنى. فالإنسان يستطيع أن يميز بين لوحة لبيكاسو ولوحة لبوتيتشلّي ولوحة خشبية بسيطة، بينما الحيوانات لا تميز بين هذه الأمور. إنها لوحات وحسب بالنسبة لها. ولكن ما هي الجماليات؟ ما هو الفن؟ إنه أمر لا نفع له بالمعنى المباشر: إنه لا يفيد للحاجات الأولية: الغذاء، الخباء… ومع ذلك، ما معنى الوجود لولا هذا البعد الجمالي، البعد الشعري، بعد اللقاء، بعد الحلم، بعد البسمة؟ إن هذه الأمور الإضافية، الفائضة هي التي تضفي غنىً خاصًا على الحياة البشرية.

لا يمكننا أن ننظر إلى الكون نظرة بخل، فالخلق بحد ذاته هو فعل سخاء من قبل الله. وهوكينغ ليس أول من يدرك بذخ الله في الكون. فكتاب أيوب، والمزامير وسواها من أسفار الكتاب المقدس غنية بهذه التساؤلات عن سعة الكون والعظمة المتجلية فيه. ولكن هذا التساؤل لا يؤدي في الكتاب المقدس إلى نفي الله بل إلى تسبيحه وتعظيمه، وإلى التعجب من حكمته التي لا تسبر. على سبيل المثال، يتساءل سفر بن سيراخ: “من يعدّ رمل البحار، من يعد قطرات المطر وأيام المطر؟ من يعيش ارتفاع السماء واتساع الأرض وعمق البحار؟ ” (سي 1، 2 – 3). ومن له الحكمة، تلك التي يفيضها الرب على من يحفظ الوصايا يستطيع أن يدرك عظمة الله في خلائقه، لأن السماوات تنطق بمجد الله والجلد يخبر بعمل يديه” (مز 18، 1).

يتوارد إلى ذهني بيت من أشعار أبي العلاء المعري القائل:

“عجبي للطبيب كيف يلحد               بعد درسه التشريحا”

العظمة التي يشع بها الكون تحدثنا عن الله. أليست هذه خبرة صاحب المزامير في المزمور الثامن؟

“أيها الرب سيدنا ما أعظم اسمك في الأرض كلها! لأعظمن جلالك فوق السموات

بأفواه الأطفال والرضع أعددت لك تسبيحًا […].

عندما أرى سمواتك صنع أصابعك والقمر والكواكب التي ثبتها

ما الإنسان حتى تذكره وابن آدم حتى تفتقده؟

دون الإله حططته قليلا بالمجد والكرامة كللته

على صنع يديك وليته كل شيء تحت قدميه جعلته

الغنم والبقر كلها حتى بهائم البرية

وطير السمار وسمك البحر ما يجوب سبل البحار.

أيها الرب سيدنا ما أعظم اسمك في الأرض كلها!”

إن عظمة الخليقة لصاحب المزامير ليست سبب شك، بل سبب تواضع. فعندما نرى عظمة الخلائق نرى في مرآة مغبشة شيئًا من عظمة الخالق. ومن نحن لكي نحارج الخزاف على صناعته؟ ألا يمكننا أن نرى في عظمة الخليقة حافزًا أولاً يدفع (وقد دفع بالفعل في تاريخ نشأة الأديان) يدفع الإنسان إلى التساؤل عما إذا كان هناك واقع أبعد من الوجود اليومي البحت والباهت.

ولكن لرؤية عظائم الله لا بد من الولادة من جديد، لا بد من قلب طفل بسيط، هذا القلب الذي يشابه قلب يسوع والذي دفعه يومًا إلى التهلل: “أحمدك يا أبت، رب السموات والأرض، على أنك أخفيت هذه الأشياء على الحكماء والأذكياء، وكشفتها للصغار. نعم يا أبت، هذا ما كان رضاك. قد سلمني أبي كل شيء، فما من أحد يعرف الابن إلا الآب، ولا من أحد يعرف الآب إلا الابن ومن شاء الابن أن يكشفه له” (مت 11، 25 – 27).

فلنختم هذه المقالة بصلاة بسيطة، طالبين من الرب تلك الحكمة التي تتغنى بها الأسفار الحكمية في الكتاب المقدس، حكمة القلب التي ترى الكون وجميع الأمور كما يراها الله. فليفعل الرب لنا ما يقوله كتاب ابن سيراخ: “القى عينه في قلوبهم ليريهم عظائم أعماله” (سي 17، 8). فليضع الرب عينه في قلوبنا فيكون لنا مشاعر يسوع المسيح ونظرة يسوع المسيح إلى الكون. آمين.

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير