بقلم روبير شعيب
الفاتيكان، الاثنين 31 يناير 2011 (Zenit.org). – إن هذه العبارة التي شئناها عنوانًا لهذه المقالة ليست خاصتنا، بل هي للقديس باسيليوس الكبير، الذي يقول: "الإنسان حيوان تلقى الدعوة لكي يضحي إلهًا". وبالواقع، إن كلمة القديس التي قد تشككنا هي صدى أمين لآية سفر التكوين التي نود أن نتوقف عليها اليوم: "فلنخلق الإنسان على صورتنا فمثالنا" (تك 1، 26). لتفسير هذه الآية وشرحها تاريخ حافل قد ملأ كتبًا كثيرة في الكنيسة، ولا يمكننا أن نكتفي بفهم سطحي لتفسيرها كما يجب.
وقد وقعت شخصيًا على تفسير سطحي حملني على الضحك. كتب المعلق حول هذه الآية: "إن هذه الآية وحدها تُظهر خطأ الديانة المسيحية، فهم يتحدثون عن الإنسان وكأنه تصوير لله، كما ولو كان ممكنًا أن نصوّر الله".
لو تحلى صديقنا صاحب التعليق ببعض من الصبر وصفاء النية، لما اكتفى بالصفحة الأولى من سفر التكوين ليحكم على المفهوم المسيحي والعبراني لله، ولرأى في الصفحات التالية التي تشكل تكاملاً وتفسيرًا لهذه الآية كيف أن الكتاب المقدس يدافع بقوة عن تسامي الله وعن عدم وجود شبيه أرضي يمثل الله أو يساويه، ولفهم أيضًا أن المقصود من هذه الآية ليس تقديم تصوير عن الله بل مفهوم أعمق بكثير، سنتوقف عليه الآن ولو باقتضاب.
ما معنى "صورة الله ومثاله"؟
الجميل في لغة الكتاب المقدس الرمزية هي أنها تسمح بالعديد من التفاسير. هذا لا يعني أنه يمكننا أن نفسر على هوانا. فالتفسير يجب أن يتبع المبادئ التفسيرية التي تحدثنا عنها في حلقات أخرى من هذه السلسلة، والتي تبقى أمينة لـ "قانون الإيمان" (regula fidei) أي الجسم التعليمي الذي تناقلته الجماعة المسيحية على مدى العصور.
يفهم بعض الآباء هذا التعبير بهذا الشكل: "الخلق على صورة الله هو إشارة إلى "روحانية" الإنسان، بعضهم الآخر يرى صورة الله في الإنسان في "عقله"، بعض آخر في "إرادته". تفاسير أخرى تنظر إلى تكلمة الآية فترى صورة الله في قدرة الإنسان على فرض سلطانه على الخلائق. سلطان الإنسان على الخليقة ليس تسلطًا، بل هو السلطة المُحِبة التي تدبر الخليقة وتعتني بها. هذه التفاسير لا تنفي بعضها بل هي متكاملة.
ما يميز تعليم الآباء الكابادوكيين هو أنهم يجدون تكاملاً بين الصورة والشبه. فالإنسان ينطلق من هبة الصورة لكي يحقق بعون الله الشبه. الصورة هبة، الشبه مَهَمّة. في دراسة هامة للاهوتي الأرثوذكسي فلاديمير لوسكي نجد شرحًا هامًا يعلق فيه على تعاليم الآباء: "الشخص البشري لا يستطيع أن يكون حقًا "صورة" أو "على صورة" الله، لا يستطيع أن يظهر الله ويبينه، لو لم يكن يتمتع بقدرة التحول إلى الله".
ما يريد لوسكي قوله هو أن الإنسان هو صورة الله حقًا إذا تمكن أن يضحي شبيهًا بالله، إذا اتحد بشكل صوفي بالله، إذا تأله. وهنا يلتقي بتعبير القديس باسيليوس الذي بدأنا به هذه المقالة. هذا القول الذي ينطبق به الأب الكابادوكي قد يجرح إحساس البعض: كيف يصف الإنسان بحيوان؟ فلنفكر أن حيوان في اليونانية التي كان باسيليوس ينطقها كانت تعني "ذي نفس حية" ("ذوون" تأتي بالواقع من "ذوي" أي حياة).
خلاصة ما نريد قوله هو أن الغاية من خلق الإنسان بحسب هذه الآية من سفر التكوين هي أن لا يبقى الإنسان مائتًا فانيًا بل أن يتحول بجوهره إلى الله...