أنتروبولوجيا الكتاب المقدس الواقعية

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

بقلم روبير شعيب

روما،  الأربعاء 26 يناير 2011 (Zenit.org). – إن نظرة أنتروبولوجيا الكتاب المقدس، والتي ألقينا نظرة سريعة إليها في هذه السلسلة من المقالات (سلسلة “العليقة الملتهبة)، هي نظرة واعية، نبيهة ورصينة. ففي الفصل الثاني، الآية السابعة، نجد إشارة رمزية لإطارين يشكلان نظرة الكتاب المقدس إلى الإنسان: الأرض والسماء. ما من ثنائية في الكتاب المقدس، وما من خلط أهوج أو سيطرة بعد على آخر.

الإنسان أرضي، ولكنه سماوي أيضًا، في باطنه نفخة إلهية. والحكمة هي أن يعرف الإنسان أنه مؤلف من هذين القسمين. لا بد للإنسان أن يعي جيدًا أنه لا يستطيع أن يكون ذاته بمعزل عن أحد هذين القسمين. وقد عبّر الفيلسوف الحسابي بليز باسكال عن هذه النظرة بحكمة فقال: “الإنسان ليس ملاكًا ولا حيوانًا، ولكن المفارقة هي أنه يضحي حيوان عندما يتظاهر بأن يكون ملاكًا”.

وباسكال عينه يصف الإنسان بأنه “قصبة مفكرة”. القصبة هي رمز لطبيعته الضعيفة الهشة، ولكن الإنسان، في ضعفه هو مميز، لأنه خلافًا للمخلوقات الأخرى يعرف أنه ضعيف، ومعرفته هذه تشكل مصدرًا لقوته. يعرف الإنسان أنه ضعيف، وهذه المعرفة ترفعه أسمى من سائر الخلائق. الكتاب المقدس، بكلمة، يصوّر الإنسان في ضعفه الخلائقي وقوته الخلاقة.

هذه النظرة الكتابية تختلف كثيرًا عن تعاليم أديان الشرق الأقصى، وخصوصًا عن تعاليم الأديان التي نشأت في الغرب والتي تدعي أصلاً في الشرق، أعني النيو آيج.

الإنسان في الكتاب المقدس ليس شعلة إلهية وحسب. بالنسبة للكتاب المقدس، الروح الإلهي (رواح) هو جزء من تركيبة الإنسان، هناك أيضًا بعد آخر ويجذب الإنسان إلى الأسفل، جزء يقاوم حياته الروحية. يصف بولس هذين البعدين في الإنسان فيقول: “أنا لا أعرف ماذا يجب أن أفعل: فالذي أريده لا أفعله، وأما الذي أكرهه فإياه أفعل. […]. أجد في ذاتي الرغبة في صنع الخير، ولكني لا أملك المقدرة على فعله: لأن الخير الذي أريده لا أفعله، والشر الذي لا أريده إياه أفعل” (روم 7).

كلام بولس ليس تعبيرًا عن تشاؤم مسيحي، لا يقدر القدرات البشرية، بل هو واقعية تنظر إلى حالة الإنسان كما هو، وترى في الوقت عينه الخير الذي نستطيع فعله، والخير الذي نتوق إليه، وفي الوقت عينه يرى الشر الذي نرتكبه، والذي يتخطى أحيانًا قدراتنا ويفاجئنا. إذا كنا نظن أن الإنسان هو فقط خيّر، فيليق بنا ما قاله فكاهي أمريكي يومًا: “إذا ظننت أن العالم على ما يرام، أنصحك أن تقوم بتصليك جهاز التلفاز في بيتك”.

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير