الفاتيكان، الاثنين 31 يناير 2011 (Zenit.org). – ننشر في ما يلي كلمة البابا قبيل تلاوة صلاة التبشير الملائكي، نهار الأحد 30 يناير 2011.
* * *
أيها الإخوة والأخوات الأعزاء،
في هذا الأحد الرابع من الزمن العادي، يقدم لنا الإنجيل الخطاب الأول الكبير الذي يوجهه الرب إلى الشعب، على الهضاب الناعمة القائمة حول بحيرة الجليل. يكتب الإنجيلي متى: “لما رأى الجمع، جلس يسوع واقترب منه تلاميذه وبدأ يخاطبهم ويعلمهم” (مت 5، 1 – 2). يسوع، موسى الجديد، “يأخذ مكانه على منبر الجبل” ويعلن “طوبى” للفقراء بالروح، للحزانى، للرحماء، للجياع إلى البر، لأنقياء القلوب، للمضطهدين (راجع مت 5، 3 – 10). لسنا بصدد إيديولوجية جديدة، بل تعليم يأتي من العلاء ويلمس الواقع البشري، ذلك الواقع الذي تبناه الرب من خلال تجسده وخلصه.
ولذلك فإن خطاب الجبل هو موجه إلى كل العالم، إلى الحاضر والمستقبل… ويمكن فهمه وعيشه فقط من خلال اتباع المسيح، والمسير معه”.
التطويبات هي برنامج حياة جديد، للتحرر من قيم العالم الزائفة والانفتاح على الخيرات الحقة، الحاضرة والمستقبلة. فالله، عندما يعزي، يُشبع الجوع إلى البر، يجفف دموع الحزانى. هذا يعني أنه عندما يعوض على كل إنسان بشكل ملموس يفتح له ملكوت السماوات. التطويبات هي نقل لواقع الصليب والقيامة إلى حياة التلاميذ. هي تعكس حياة ابن الله الذي يقبل بالاضطهاد، وبالإهانة حتى الحكم بالموت، لكي ينال البشر الخلاص.
يقول ناسك قديم: “التطويبات هي هبة من الله، ويجب أن نشكره تعالى لأجلها ولأجل الثواب الذي يأتي منها، اي ملكوت الله في الدهر العتيد، التعزية هنا، وملء كل خير ورحمة من قبل الله… عندما نضحي صورة المسيح على هذه الأرض” (Pietro di Damasco, in Filocalia, vol. 3, Torino 1985, p. 79).
التعليق على إنجيل التطويبات هو تاريخ الكنيسة بالذات، تاريخ القداسة المسيحية، لأنه كما يقول القديس بولس: ما كان ضعيفًا في العالم، اختاره الله لكي يبدد ما هو قوية، وما كان محتقرًا أمام العالم، وما كان كلا شيء، اختاره الله لكي يرد إلى العدم الأشياء الكائنة” (1 كور 27 – 28).
ولهذا فالكنيسة لا تخاف الفقر، الاحتقار أو الاضطهاد في مجتمع غالبًا ما تجذبه الرفاهية المادية. يذكرنا القديس أغسطينوس بأنه “لا تنفع معاناة هذه الشرور، بل يجب تحملها باسم الرب يسوع، وليس فقط بنفس هادئة، بل أيضًا بفرح (De sermone Domini in monte, I, 5,13: CCL 35, 13).
أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، فلنتضرع للعذراء مريم، الطوباوية بامتياز، طالبين إليها قوة أن نبحث عن الله (راجع صف 2، 3) وأن نتبعه دومًا، بفرح، على دروب التطويبات.
* * *
نقله من الإيطالية إلى العربية روبير شعيب – وكالة زينيت العالمية