قماشٌ من الصوف أبيض اللون رمزٌ للنعجة الضالة (3)

Share this Entry

بقلم: مايكل لانج

 

ترجمة : المونسنيور بيوس قاشا

 

روما، الاثنين 07 فبراير 2011 (Zenit.org) – كتبت جريدة اوسرفاتوري رومانو (الرقيب الروماني) في عددها المرقم 27 في الثامن من تموز عام 2008 وفي صحيفة 6،7 من الطبعة الفرنسية عن ماذا تعني الحلل الكهنوتية وما قيمتها الكنسية والباليوم بين الاستمرارية والتطور وماذا يعني قماش ابيض اللون وكل هذه المواضيع حسب نــظرة قداسة البابا بندكتس السادس عشر ولما لهذه المواضيع المختلفة من فائدة روحية وإيمانية وهدف واحد عملتُ جاهدا على ترجمتها من أجل أن ندرك جميعا كم هو عظيم ارتداؤنا للحلل الكهنوتية في احتفالاتنا الكنسية في الليتورجية المقدسة وكم هو واجب علينا أن نعطيها كرامتها كما يليق وكما يجب. إنها ثلاثة مواضيع ولا أكثر، وسأخصص موضوعا مستقلاً لكل عنوان للفائدة الجزيلة.

من بين شعارات الحبر الأعظم الليتورجية، واحد هو الأكثر تعبيراً، ألا وهو الباليوم أو “درع المطارنة والبطاركة” المصنوع من الصوف الأبيض رمز الأسقف “الراعي الصالح” والحمل المصلوب من أجل خلاص البشرية. كما أكّد على ذلك بندكتس السادس عشر في موعظة الذبيحة الإلهية بمناسبة بدء رسالته البطرسية في الرابع والعشرين من شهر نيسان عام 2005:”إن صوف الحمل يعني التعبير عن النعجة الضالّة أو تلك التي هي مريضة وتلك التي هي ضعيفة، التي يضعها الراعي على كتفيه ويقودها إلى ينابيع الحياة”.

الآثار التاريخية الأولى للباليوم تبدأ منذ الأجيال الأولى للمسيحية. بينما يؤكد البعض أحياناً أن الباليوم يأخذ أصوله من ثياب ضباط الدولة الرومان قبل أن يلبسه أصحاب الرتب الكنسية، نرى أن اليسوعي “جوزيف برون” يدافع عن الأصل الكنسي للباليوم. بالنسبة لهذا الباحث الألماني، إن الپاپوات أرادوا منذ البداية أن يكون الباليوم المقدس، شعاراً ووشاحاً، خاصاً بهم.

مهما يكن من أمر، فإن الپاپا القديس “مرقس” (سنة 336م) كان قد قلّد الباليوم لأسقف “اوستيا” التابعة لأبرشية روما، وهو أحد الأساقفة الذين توَّجوا الحبر الأعظم في ذلك الحين. حتى لو إننا لا نستطيع التأكد من القيمة التاريخية لهذه المعلومة، إلا أنها تعكس على الأقل عادات القرنين الخامس أو السادس.

سنة 513 منح الپاپا “سيمّاك” امتياز تقليد الباليوم للقديس “سيزير دارل”. ومن ثَمَّ ازداد منح امتياز تقليد الباليوم من قِبَل الپاپوات لأساقفة إيطاليا وخارج إيطاليا. في الكنائس الأخرى في الغرب، ولم يكن معترفاً بشعار الباليوم ما لم يُمنَح للأساقفة من قِبَل الحبر الأعظم نفسه. في تطوره التاريخي اللاحق، غدا الباليوم رمزاً لإرتباط خاص مع الپاپا ومعبِّراً علاوة على ذلك عن السلطة التي يحصل عليها رئيس الأساقفة الميتروپوليتي في شِركته مع كنيسة روما من حقوق في ولايته.

في مصر، القديس “ايزيدور دي پلوزيو” (440م)، معرِّفاً الشعار الأسقفي تحت اسم “الأوموفوريون” “الذي يضعه الأسقف على كتفيه”، يصفه بأنه مصنوع من الصوف وليس من الكتّان، ويشير بذلك إلى ” النعاج الضالّة التي يبحث عنها الرب، والتي بعد أنْ وجدها، حملها على كتفيه”.الباليوم الليتورجي، في الإستعراضات الأكثر قِدَماً، يظهر على شكل وشـاح مفتوح ومنضَّد فوق الأكتاف. إنما على هذا الشكل نحن نراه في رسوم رئيس الأساقفة “مسّيميانو” (498-556) في سان ڤيتال في “راڤينّا” في النصـف  الأول من القرن السادس الميلادي. ذيلٌ من الباليوم، مرسـومٌ عليه صليب،  يتدلّى من وراء الشخص الذي يلبسه في جهة اليسار، بينــما الذيل الآخر  يصعد فوق الكتف الأيسر ويدور حول العنق، ومنتقلاً إلى الكتف الأيمن،  يهبط إلى أسفل الصدر، لكي يعود أخيراً إلى الكتف الأيسر ويهبط في الظهر.

هذه الطريقة في لبس الباليوم استمرت حتى نهاية القرون الوسطى عندما استخدموا الدبابيس لجعل طرفي الباليوم يتدليان في منتصف الصدر والظهر تماماً. واستعاضةً عن الدبابيس بالخياطة الثابتة، توصلوا إلى الشكل الدائري المغلق الذي نصادفه عادة بعد القرن التاسع، كما نراه في استعراضات بعض الكنائس الرومانية الكبيرة (مثل كنيسة سانتا ماريا أنتيكا، كنيسة سانتا ماريا تراستيڤر، وكنيسة سان كليمان). إنّ طرفي الباليوم بقتا مع ذلك محتفظتين دائماً ببعض الطول إلى أن تمّ تقصيرهما تدريجياً بعد القرن الخامس عشر.

إن حلل الباليوم التي نجدها منقوشة في فسيفساء “راڤين”، سوف تغتني دائماً أكثر فأكثر فيما بعد. سوف يطرّزون عليها أربعة أوستة أو ثمانية صلبان حمراء أو سوداء، وسوف يثبّتون أحياناً أهداباً على مدار حاشيتها. في أشكال الباليوم المتطورة، ستكون أطراف ذيولها النهائية مرصّعة بصفائح صغيرة من الرصاص مغطّاة بالحرير الأسود. الدبابيس الثلاثة المطعّمة بالحجارة الكريمة والتي في الأصل كانت تُستخدم لتثبيت الباليوم كيلا يتحرك، أصبحت منذ القرن الثالث عشر مجرَّد عنصر بسيط للزخرفة.

يمكن التأكيد على أن الباليوم الطويل المتصالب فوق الكتف الأيسر لم يعد يُحمَل من قِبَل الأساقفة في الغرب بعد الحقبة الكاروليجينية. يبدو أنه منذ القرون الوسطى، كانوا على معرفة بهذا التطور التاريخي: هناك رسمٌ في مخطوطة من القرن الحادي عشر يظهر فيه القديس “غريغوريوس الكبير” وهو متّشحٌ بالباليوم في شكله المعاصر آنذاك بنهاياته المتدلّية في الوسط، والرسول بطرس حاملاً هو الآخر الباليوم في شكله القديم على كتفه الأيسر. في النتيجة، إن الرسم الشهير لمغارة “سوبياكو” المقدسة، ا
لذي يعود تاريخه إلى حوالي سنة 1219م والذي يمثّل الپاپا “إينّوصان” (اينوشيوس) الثالث وهو حامل الباليوم في نموذجه القديم، يبدو وكأنه رسم متقصّد للآثار القديمة التي عفا عليها الزمن وزال استعمالها.

إن الأوموفوريون باعتباره حلّةً ليتورجية مستخدمة من قِبَل الأساقفة الأرثوذكس ومن قِبَل الأساقفة الكاثوليك الشرقيين ذوي الطقس البيزنطي، يتألف من سبيبة من القماش العريض ملتوية إلى الداخل بحيث يمكن لفّها حول العنق ووضعها فوق الأكتاف بجعل أطرافها تهبط فوق الصدر. في التقليد الشرقي، نجد أنّ “الأوموفوريون الكبير” (تمييزاً له عن الأوموفوريون الصغير الذي يلبسه الأساقفة في بعض المناسبات والذي يشبه “الإيپيتراشيلون” الذي يطابق البطرشيل الغربي) قد مرّ ببعض التطورات وهو اليوم يتميز بكونه يملك سعةً أكبر

 وشكلاً أكثر دقة. على خلاف الباليوم، نجد أن “الأوموفوريون” غير مقصور على رؤساء الأساقفة الميتروپوليتيين، ولكن يمكن أن يحمله جميع الأساقفة.

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير