بغداد، الجمعة 11 فبراير 2011 (ZENIT.org). – كانت صبيحةُ الأحد، 15 شباط 2009، بدءَ اليوم الذي صنعه الرب… فيه فرحنا وهلّلنا ورقصنا وأنشدنا، واسترسلنا في حديث القلوب عبر ألسنة المحبة… أملاً ورجاءً… هوشعنا لابن السريان… مباركٌ الآتي إلينا، أغناطيوس يونان، حاملاً لنا خوذة الخلاص ودرع الإيمان، وراسماً لنا طريقاً توصلنا إلى حيث الناصرة… فكان صغيرُها ينتظرنا، لأنه منها يخرج شيءٌ صالح (يو46:1)… وأعلنتم من حينها أنكم أصبحتم “كلاًّ للكلّ” (1كو 22:9)… وبدأتم مسيرتكم بأبوّة السماء ورعاية الفادي وأولوية الحياة، ومؤمنون بأنكم كبير، بل صغير من أجلنا (مر 35:9).
من حينها توسّمتُ وإخوتي أنكم ذلك الرجل الشجاع… الحاضن لأولاده في ظلّ جلبابه… مباركاً إياهم بسلام حبريته، وببركة يمينه، وبصوته الحامل إليهم عطيةَ السماء… سلامَ الرعاة، بل سلامَ الملائكة… وصوتَ المعمذان، بل صوتاً صارخاً (متى 3:3)… الذي كنتم ولا زلتم تُنشدونه لأجل أرض النهرين ومدينة أور وموصل الحدباء، وتعلنونه أمام الكراسي والسلاطين، أمام الحكّام والرؤساء، أمام الأقوياء وكبار هذه الدنيا… لقد كنتم صوت الحقيقة في وجوه الأقوياء.
ومنذ تلك الساعة، ولحدّ اللحظة، وأنا أتأمّل مسيرتكم، وكيف حملتم رجاء الآباء من أجل أفئدة الأبناء… وبدأت زياراتكم كنيسة كنيسة… رعية رعية… أبرشية أبرشية… ديراً ديراً… وحملتم حبكم ووفائكم إلى أهلها وساكنيها حتى وطأت أقدامكم أرض يونان ودار السلام، فأنشدتم حينها معنا… لا تخافوا… فربنا هو الرجاء… أنا معكم، وإليكم أتيتُ حاملاً إياه عبر وفاء المسيرة… معلناً لكم أن شهداءنا في سيدة النجاة، بل سيدة الشهداء، يقول ربنا ما هي إلا في سفر البقاء… وما الشهداء إلا أحياء… فقولوا الحق والحق يحرركم… فالعراق لكم أيها الأمناء… فهو مُلككم كما هو غِناكم، وليس مُلك أو ثراء للأشرار والأعداء… وما عدوّكم إلا الخطيئة… فالبشر، وإنْ كانوا أعداء، فهم أحبّاء في الصلاة… “أحبوا أعداءكم” (متى 44:5)… في هذا أوصيكم أن لا تيأسوا، بل عيشوا إيمانكم، حاملين رجاءكم عبر مسيرة الزمن والتواءات الدنيا.
نعم، كان هذا صوتكم من يوم جلوسكم على كرسي بطرس أنطاكية… صوتٌ دان المسؤولية المزيّفة وسلاطينَ الزمن معذّبي الأبرياء الفقراء بسبب عقيدتهم… وأعلنتم أن ذلك ما هو إلا مخطَّط الحقد والكراهية، ولن يعرف هدنة في حربة القاتلة والمجرمة ضد الحياة والأشخاص، حيث تجري أنهار وأنهار من الدم البريء كما حصل في سيدة النجاة… واصَلَ صوتُكُم مسيرَتَه حتى في سينودس الأساقفة، وعِبْرَ جلساته أعلنتم، وفي كلمتكم كبّرتم، ولا زال صداها يرنّ حتى الساعة في مسامعنا… أن المؤمنين المعذَّبين في منطقة الشرق الأوسط يعيشون الأمل، وما على السينودس إلا أن يمنحهم إيّاه عبر الرجاء بالمخلّص الحبيب… ما أجمله من مسار… إنه خارطة الطريق، بل خارطة الخلاص… فالحقيقة وحدها تحررنا، كونها شاهدة على براءة الأبرياء أمام قاتلي الأجنّة ولصوص الخيرات السماوية… نعم، أنتم صوت الحقيقة… صوتٌ حرٌّ وسماوي.
فمبروك لكم ذكراكم الثانية، وجلوس غبطتكم يا موران طوبثونو… افرحي يا بنت أنطاكية… هوذا غبطته أتياً معلناً أن الحق وحده هو التحرير من عبودية الزمن… منحكم الرب نِعَماً وافرة وبركاتٍ جزيلة وأياماً مليئة بمواهب السماء… لتحمل أقدامكم إلى قصور الجالسين في ضلال الموت… حقيقة الحياة… ولتحمل أكتافكم مفقودي الدنيا، كونكم الراعي الصالح والأب الرحيم والرئيس المحب والمدبّر الأمين… أما نحن فسنبقى أوفياء لكم عبر مسيرتنا _ وإنْ كانت عبر الكونكريت العازل والجدران الفاصلة والأسلاك الشائكة _ ففي هذا يفتخر الشر والدمار… أما أنتم فنعمة الحياة معكم… فنحن لكم تلاميذ وأنتم معلّمون… وما علينا إلا أن نكون لكم ومثلكم، في مدرستكم، مهما سطت القوة علينا وكان الجبروت ذئباً… سنبقى حَمَلاً من أجل ربِّنا نُساق إلى الذبح… إنّكم صوتٌ من أجل الحقيقة… وهذه شهادتي… بل تهنئتي… ودمتم.
ولدكم المحب المونسينيور بيوس قاشا