روما، الجمعة 11 فبراير 2011 (Zenit.org) – “اقتراح الدعوات في الكنيسة المحلية” هو شعار رسالة بندكتس السادس عشر لليوم العالمي الثامن والأربعين للصلاة من أجل الدعوات الذي سيحتفل به نهار الأحد 15 مايو 2011، أي في الأحد الرابع من زمن الفصح.
تحمل الرسالة تاريخ الخامس عشر من نوفمبر. وقد نشرتها دار الصحافة الرسولية في 10 فبراير الجاري في سبع لغات: الفرنسية، الألمانية، الإيطالية، الانكليزية، الإسبانية، البرتغالية والبولندية. ننشر في ما يلي نص الرسالة.
***
أيها الإخوة والأخوات الأعزاء،
إن اليوم العالمي الثامن والأربعين للصلاة من أجل الدعوات الذي سيحتفل به في 15 مايو 2011، أي في الأحد الرابع من زمن الفصح، يدعونا إلى التفكير في موضوع “اقتراح الدعوات في الكنيسة المحلية”. قبل سبعين عاماً، أنشأ الموقر بيوس الثاني عشر المؤسسة الحبرية للدعوات الكهنوتية. بعدها، وفي أبرشيات عدة، أقام أساقفة مؤسسات مشابهة ينعشها كهنة وعلمانيون، استجابة لدعوة الراعي الصالح الذي “لما رأى الجموع تحنن عليهم لأنهم كانوا معذَّبين منطرحين مثل الخراف التي لا راعي لها”. وقال: “إن الحصاد كثير وأما العملة فقليلون. فاسألوا رب الحصاد أن يرسل عملة لحصاده” (مت 9: 36، 38).
إن فن تعزيز ومرافقة الدعوات يجد له مرجعاً نيراً في صفحات الإنجيل حيث يدعو يسوع تلاميذه إلى اتباعه ويعلمهم بمحبة وعناية. انتباهنا يتركز بخاصة على الطريقة التي دعا بها يسوع أقرب معاونيه لإعلان ملكوت الله (لو 10، 9). أولاً، يبدو بوضوح أن بادرته الأولى كانت الصلاة من أجلهم: قبل دعوتهم، قضى يسوع الليلة وحيداً وهو يصلي ويصغي إلى مشيئة الله (لو 6، 12)، في ترفع روحي عن الاهتمامات الدنيوية. تنشأ دعوة التلاميذ تحديداً عن الحوار الودي الذي دار بين يسوع وأبيه. وتعتبر الدعوات إلى الخدمة الكهنوتية والحياة المكرسة ثمرة تواصل دائم مع الله الحي، وصلاة ملحاحة ترتفع نحو “سيد الحصاد” في الجماعات الرعوية، وفي العائلات المسيحية أو ضمن الجماعات المكرسة للصلاة من أجل الدعوات.
في بداية حياته العامة، دعا الرب بعض الصيادين الذين كانوا منشغلين بالعمل على شاطئ بحر الجليل قائلاً: اتبعوني فأجعلكم صيادي بشر (مت 4، 19). لقد كشف لهم رسالته المسيحية من خلال “علامات” كثيرة كانت تدل على محبته للبشر وهبة رحمة الآب؛ أعدهم بالكلمة وبشهادة حياته ليكونوا مستعدين لاستكمال عمله الخلاصي؛ ختاماً، “لما كان يعلم أن ساعته قد أتت لينتقل من هذا العالم إلى الآب” (يو 13، 1)، أوكل إليهم ذكرى موته وقيامته، وقبل صعوده إلى السماء، أرسلهم إلى العالم أجمع وأوصاهم: “إذهبوا وتلمذوا جميع الأمم” (مت 28، 19).
إن الاقتراح الذي يقدمه يسوع لمن يقول لهم “اتبعني!” هو موجِب ومحمِّس. فهو يدعوهم إلى أن يكونوا أصدقاءه، ويصغوا بانتباه إلى كلمته، ويعيشوا معه؛ يعلمهم الالتزام التام بالله ونشر ملكوته وفقاً لشريعة الإنجيل: “إن حبة الحنطة التي تقع في الأرض إن لم تمت فإنها تبقى وحدها؛ وإن ماتت أتت بثمر كثير” (يو 12، 24)؛ يدعوهم إلى الخروج من إرادتهم المنغلقة على ذاتها، من فكرة تحقيق الذات، للانغماس في مشيئة أخرى هي مشيئة الله، والاهتداء بها؛ ويسمح لهم بعيش أخوة تولد من الطاعة التامة لله (مت 12: 49، 50)، وتصبح الطابع المميز لجماعة يسوع: “وبهذا يعرف الجميع أنكم تلاميذي إذا كنتم تحبون بعضكم بعضاً” (يو 13، 35).
اليوم أيضاً، لا يقل اتباع المسيح صعوبة؛ فهو يعني تعلم تركيز الأنظار على يسوع، ومعرفته بعمق، والإصغاء إلى الكلمة، ولقاءه في الأسرار؛ يعني أيضاً تعلم المطابقة بين مشيئته والمشيئة الذاتية. الأمر عبارة عن مدرسة فعلية وحقيقية لتنشئة المستعدين للخدمة الكهنوتية والحياة المكرسة، بإرشاد السلطات الكنسية المختصة. ولا ينسى الرب أن يدعو في كافة مراحل الحياة إلى المشاركة في رسالته وإلى خدمة الكنيسة من خلال الكهنوت أو الحياة المكرسة. و”الكنيسة مدعوة إلى حفظ هذه الهبة، وتقديرها ومحبتها: إنها مسؤولة عن نشأة ونضوج الدعوات الكهنوتية” (يوحنا بولس الثاني، الإرشاد الرسولي ما بعد السينودس “أعطيكم رعاة”، Pastores dabo vobis، 41). وتحديداً في زماننا، حيث يبدو صوت الرب محجوباً بفعل “أصوات أخرى”، وحيث تبدو الدعوة لاتباعه من خلال هبة الذات صعبة جداً، ينبغي على كل جماعة مسيحية، وعلى كل مؤمن، الالتزام بوعي من أجل تعزيز الدعوات. من المهم تشجيع ودعم الذين يظهرون علامات واضحة عن الدعوة إلى الحياة الكهنوتية وإلى النذور الرهبانية لكي يشعروا بقرب كل الجماعة عندما يقولون “نعم” لله وللكنيسة. إني أحثهم بنفسي كما فعلت مع الذين قرروا دخول الإكليريكية. فقد كتبت لهم: “أحسنتم. ذلك لأن البشر، حتى في زمن الهيمنة التقنية على العالم والعولمة، سيحتاجون دوماً إلى الله، الله الذي أظهر نفسه في يسوع المسيح والذي يجمعنا في الكنيسة الجامعة لنتعلم معه وبه الحياة الحقيقية، ولنحفظ معايير البشرية الحقيقية ونجعلها فعالة” (الرسالة إلى الإكليريكيين، 18 أكتوبر 2010).
ينبغي على كل كنيسة محلية أن تزيد وعيها واهتمامها براعوية الدعوات، مرشدة على صعيد العائلات والرعايا والجمعيات – كما فعل يسوع لتلاميذه – المراهقين والمراهقات والشباب بخاصة، إلى تنمية صداقة فعلية ومتسمة بالمحبة مع الرب، في الصلاة الفردية والليتورجية؛ إلى تعلم الإصغاء المنتبه والمثمر إلى كلمة الله من خلال اعتياد متزايد على الكتاب المقدس؛ إلى إدراك أن الدخول في مشيئة الله لا يبطل ولا يدمر الإنسان، لكنه ي
سمح باكتشاف واتباع أعمق حقيقة عن ذواتنا؛ وإلى عيش المجانية والأخوة في العلاقات مع الآخرين، لأن الإنسان، فقط بانفتاحه على محبة الله، يجد الفرح الحقيقي والتحقق التام لطموحاته. إن “اقتراح الدعوات في الكنيسة المحلية” يعني أيضاً التحلي بالشجاعة للإشارة من خلال راعوية دعوات متنبهة وملائمة، إلى درب اتباع المسيح المليئة بالتحدي، والقادرة على جذب حياة بأكملها لأنها زاخرة بالمعاني.
إنني أتوجه إليكم بخاصة، أيها الإخوة الأحباء في الأسقفية. في سبيل ضمان استمرارية ونمو رسالتكم المخلّصة بالمسيح، ينبغي عليكم أن تعززوا “إلى أقصى حد ممكن الدعوات الكهنوتية والرهبانية، وبخاصة الدعوات التبشيرية” (مرسوم “المسيح الرب”، Christus Dominus، 15). الرب بحاجة إلى تعاونكم لكي تبلغ دعواته قلوب الذين اختارهم. اختاروا بعناية العاملين في المركز الأبرشي للدعوات، الأداة الثمينة لتعزيز وتنظيم راعوية الدعوات، وللصلاة التي تدعمها وتضمن خصبها. أريد أن أذكركم، أيها الإخوة الأساقفة الأعزاء، باهتمام الكنيسة الجامعة بتوزيع منصف للكهنة في العالم. إن استعدادكم لتلبية احتياجات أفقر الأبرشيات من ناحية الدعوات، هو بركة من الله لجماعاتكم ويشكل بالنسبة للمؤمنين دليلاً على خدمة كهنوتية منفتحة بسخاء على احتياجات الكنيسة جمعاء.
لقد ذكر المجمع الفاتيكاني الثاني بوضوح بأن “واجب تنمية الدعوات هو شأن الجماعة المسيحية جمعاء التي يجب أن تؤديه أولاً من خلال حياة مسيحية بالكامل” (مرسوم “التنشئة الكهنوتية”، Optatam totius، 2). أرغب إذاً في توجيه تحية أخوية وخاصة، وتشجيعاً لجميع الذين يعاونون بشتى الطرق الكهنة في الرعايا. أتوجه بخاصة إلى القادرين على الإسهام في راعوية الدعوات: الكهنة، العائلات، معلمي الدين، والمسؤولين عن النشاطات. أوصي الكهنة بالاستعداد إلى تقديم شهادة شركة مع أسقفهم وإخوتهم الآخرين، بغية ضمان التربة الخصبة لبذور الدعوات الكهنوتية الجديدة. فلتتشجع العائلات “بروح الإيمان والمحبة والتقوى” (مرسوم “التنشئة الكهنوتية”، Optatam totius، 2)، لمساعدة أبنائها وبناتها على قبول الدعوة إلى الكهنوت والحياة المكرسة بسخاء. وليهتم معلمو الدين والمسؤولون عن نشاطات الجمعيات الكاثوليكية والحركات الكنسية، المقتنعون برسالتهم التربوية، “بتربية المراهقين الموكلين إليهم، لكي يدركوا الدعوة الإلهية ويستجيبوا لها بحماسة” (المرجع عينه).
أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، إن التزامكم في تعزيز ومرافقة الدعوات يزداد أهمية وفعالية رعوية عندما يتحقق في وحدة الكنيسة ويكون موجهاً نحو خدمة الشركة. لذلك، تشكل كل جوانب حياة الجماعة الكنسية – التعليم الديني، لقاءات التنشئة، الصلاة الليتورجية، رحلات الحج – فرصة ثمينة ليفهم شعب الله، وبخاصة الصغار والشباب، معنى الانتماء إلى الكنيسة، ومسؤوليتهم تجاه الدعوة إلى الكهنوت والحياة المكرسة، بخيار حر وواع.
القدرة على تنمية الدعوات هي سمة حيوية الكنيسة المحلية. فلنلتمس بثقة وإلحاح دعم مريم العذراء لكيما، بمثال قبولها مشيئة الله الخلاصية وبشفاعتها القديرة، ينتشر داخل كل جماعة استعداد لقول “نعم” للرب الذي لا ينفك يدعو فعلة جدد إلى حصاده. مع هذا التمني، أمنح الجميع بسرور بركتي الرسولية.
من الفاتيكان، في 15 نوفمبر 2010
الحبر الأعظم بندكتس السادس عشر
***
نقلته إلى العربية غرة معيط (Zenit.org)
حقوق الطبع محفوظة لمكتبة النشر الفاتيكانية 2011