بقلم روبير شعيب
الفاتيكان، الثلاثاء 15 فبراير 2011 (Zenit.org). – إن ظاهرة الإلحاد هي ظاهرة معقدة، وقد يظن البعض أن هناك إلحاد واحد، ولكن بالحقيقة للإلحاد وجوه عديدة، وقد عرف الإلحاد في الحقبات المختلفة تحولات عدة، كما وعرفت الكنيسة في العقود الأخيرة تطورًا في نظرتها إلى الإلحاد. سننظر في هذه المقالة القصيرة إلى بعض نقاط التحول.
المجمع الفاتيكاني الثاني لم يكن فقط المجمع الأول الذي انعقد لا ليحل مشاكل متعلقة بالهرطقات بل لكي يقدم حلولاً رعوية، بل كان أيضًا المجمع الأول في تاريخ الكنيسة الذي انعقد في إطار من الإلحاد الثقافي. هذه المشكلة أدركها آباء المجمع ولذلك كرسوا اهتمامًا خاصًا للإلحاد وقد شكلت تطورات المجمع تقدمًا هامًا وأساسيًا في وعي الكنيسة لمسألة الإلحاد ومحاولاتها للإجابة عليها.
عبّر البابا بولس السادس عن الاهتمام الذي يجب تكريسه للإلحاد عندما صرح في رسالته العامة “Ecclesiam Suam” أن الإلحاد هو “أكثر المشاكل جدية في عصرنا”. كما وأسس البابا عينه أمانة سر لغير المؤمنين في أبريل 1965، تعبيرًا عن الوعي والحس الجديد الذي باتت تتمتع به الكنيسة بعيد المجمع.
قدمت “أمانة سر غير المؤمنين” على مر السنوات إسهامات كبيرة في مواضيع شائكة مثل مواضيع العلمنة وعدم الاكتراث الديني، والعلاقة بين العلم والإيمان(1981)، الاخلاق العلمانية (1983)، حالة عدم الإيمان الجديدة (1985)، الإيديولوجيات المعاصرة (1988)، الإيمان المسيحي والبحث عن السعادة (1991).
هذا وغيرت أمانة السر اسمها في عام 1988 فأضحت “المجلس الحبري للحوار مع غير المؤمنين”. وجاء تحوّل آخر في عام 1993، إذ ضم البابا يوحنا بولس الثاني المجلس إلى مجلس آخر هو “مجلس الثقافة”. يذهب فعل البابا هذا أبعد من البعد البيروقراطي إذ يعبّر عن وعي هام للدور الكبير الذي تلعبه الثقافة وللترابط القائم بين الثقافة والبعد الديني. من هذا المنطلق اعتبر البابا أن التفكير في حالة عدم الإيمان هي أمر يلازم ويرافق ويكتمل مع الحوار بين الإيمان والثقافة. كما ودعا البابا بشدة إلى ملاقاة غير المؤمنين على أرضية الثقافة.
نلاحظ في هذه الأحداث التي ترتبط بشكل عام بوقائع تاريخية تبدلاً يعبّر عن تحول في فهم الكنيسة ونظرتها إلى الوقائع، فعلى سبيل المثال لم تعد الوثائق تتحدث عن الملحدين (atei) والذي هو تعبير يصف الملحد بشكل سلبي (فأتيمولوجيًا الكلمة تعني الذين هم “دون الله”)، بل باتت تستعمل تعبير غير-المؤمنين (non-credenti) حيث يتم النظر إلى مسألة عدم الإيمان كشكل من أشكال العيش المرتبطة بالثقافة. وذلك لأن لغة الإلحاد تبدلت، فبعد إلحاد العقود السابقة الذي كان هجوميًا ومعاديًا للإيمان والله، وجدت الكنيسة نفسها أمام إلحاد أقل همجية يعيش في مسافة لامبالية من الله. كلمة “إلحاد” تعني موقفًا محددًا ومدروسًا دون الله أو حتى ضده، أما عدم الإيمان أو غير المؤمنين فهي تعابير تشير إلى موقف غير محارب، يعيش عادة في نوع من ارتباك فكري أو عدم اكتراث.
بالواقع إن حالة عدم الإيمان المعاصرة لم تعد مثل إلحاد نيتشه المحارب والمناهض لله. كان الله بالنسبة لنيتشه كابوسًا وهوسًا فقلة ما خلت مؤلفاته واهتماماته من قضية الله. كذلك كان إلحاد فويرباخ وإلحاد ماركس وإلحاد فرويد. أما غير المؤمنين المعاصرين فهم عادة أشخاص لا يأبهون بقضية الله ولا يطرحونها، بل يعيشون في حالة إلحاد معاش بسلام. فالله، كما يقول أحد اللاهوتيين الإسبانين هو مفقود ولكن الناس لا تشعر بفقدة تجاهه.